لا مناص من ترتيب آثار التكليف من حين حدوثه لا من حين انكشافه. وحينئذ لما كان حدوث التكليف قبل الاضطرار، فلا بد من اعتبار وجوده قبله ولو كان منكشفا بعده وعليه فبعد طرو الاضطرار نشك في سقوط هذا التكليف الثابت قبل الاضطرار لأجل الاضطرار، لأنه لو كان في الطرف المضطر إليه فقد سقط بالاضطرار، ولو كان في الطرف الآخر كان باقيا لا محالة، فيرجع إلى استصحاب بقاء التكليف أو قاعدة الاشتغال على خلاف بيننا وبين المحقق النائيني (رحمه الله) وعلى كل تقدير لا مجال للرجوع إلى أصالة البراءة في الطرف غير المضطر إليه. و (بالجملة) بعد العلم بثبوت التكليف قبل الاضطرار والشك في سقوطه له يحكم بوجوب الاجتناب عن الطرف الآخر، لأجل الاستصحاب أو لقاعدة الاشتغال.
والجواب عن هذه الشبهة ان المقام ليس مجرى للاستصحاب ولا لقاعدة الاشتغال، فان الاستصحاب أو القاعدة انما يجريان فيما إذا كانت الأصول في أطراف العلم الاجمالي ساقطة بالمعارضة، كما في الشك في بقاء الحدث المردد بين الأصغر والأكبر بعد الوضوء، فان الأصل في كل منهما معارض بالأصل الجاري في الآخر، وبعد تساقطهما يرجع إلى الاستصحاب ويحكم ببقاء الحدث الجامع بين الأكبر والأصغر. وهذا بخلاف ما إذا كان الأصل جاريا في بعض الأطراف بلا معارض، كما في المقام، فان التكليف في الطرف المضطر إليه معلوم الانتفاء بالوجدان، فلا معنى لجريان الأصل فيه وفي الطرف الآخر مشكوك الحدوث، فلا مانع من الرجوع إلى الأصل فيه، فليس لنا علم بالتكليف وشك في سقوطه حتى نحكم ببقائه للاستصحاب أو لقاعدة الاشتغال، كما في مثال الحدث المردد بين الأكبر والأصغر، لان التكليف في الطرف المضطر إليه منفي بالوجدان، وفي الطرف الآخر مشكوك الحدوث. ومنفي بالتعبد للأصل الجاري فيه بلا معارض