في غاية قلة الاستعداد ما لم يكن ملحقا بالصبيان والمجانين - يدرك وجوده ونفسه، وهو أول مدرك له، ويدرك انه حادث مسبوق بالعدم، وانه ليس خالقا لنفسه بل له خالق غيره، وهذا المعنى هو الذي ذكره سبحانه وتعالى بقوله: (أخلقوا من غير شئ أم هم الخالقون) ثم ينتقل إلى وجود غيره، وهو مدرك ثان له، وينتقل منه أيضا إلى وجود الصانع، كما قال عز من قائل: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله) اي انهم يعترفون بالخالق جل ذكره بمجرد الالتفات إلى وجود السماوات والأرض.
وكذا الحال بالنسبة إلى التوحيد، فان كل انسان ذي شعور وعقل كما يدرك ان له صانعا يدرك بحسب ارتكازه الفطري ان الخالق جل ذكره واحد لا شريك له.
(وبالجملة) الجاهل القاصر بالنسبة إلى وجود الصانع وتوحيده جل ذكره نادر أو غير موجود. نعم الجاهل القاصر بالنسبة إلى النبوة الخاصة والإمامة والمعاد الجسماني في غاية الكثرة، فان كثيرا من نسوان اليهود والنصارى قاصرات عن تحصيل مقدمات التصديق والجزم بالنبوة الخاصة، وكذا نسوان المخالفين بالنسبة إلى الإمامة، وكذا بعض من الرجال بالنسبة إلى المعاد الجسماني.
و (اما المقام الثاني) فالصحيح فيه جريان احكام الكفر على الجاهل بالأصول الاعتقادية ولو كان جهله عن قصور، لاطلاقات الأدلة الدالة على ترتب تلك الأحكام، فان قلنا بنجاسة أهل الكتاب مثلا لا فرق بين ان يكون جهلهم عن تقصير أو قصور.
و (اما المقام الثالث) فالمعروف بينهم ان الجاهل القاصر غير مستحق للعقاب وهو الصحيح، إذ العقل مستقل بقبح العقاب على امر غير مقدور، وانه من أوضح مصاديق الظلم، فالجاهل القاصر معذور غير معاقب على عدم