واما الظن المتعلق بالأمور التكوينية أو التاريخية، كالظن بأن تحت الأرض كذا أو فوق السماء كذا، والظن بأحوال أهل القرون الماضية وكيفية حياتهم ونحو ذلك، فان كان الظن مما لم يقم على اعتبار دليل خاص (وهو الذي تعبر عنه بالظن المطلق) فلا حجية له في المقام. والوجه فيه ظاهر. واما ان كان من الظنون الخاصة فلا بد من التفصيل بين مسلكنا ومسلك صاحب الكفاية (رحمه الله) فإنه على مسلكنا من أن معنى الحجية جعل غير العلم علما بالتعبد يكون الظن المذكور حجة باعتبار اثر واحد وهو جواز الاخبار بمتعلقه، فإذا قام ظن خاص على قضية تاريخية أو تكوينية: جاز لنا الاخبار بتلك القضية بمقتضى حجية الظن المذكور، لأن جواز الاخبار عن الشئ منوط بالعلم به، وقد علمنا به بالتعبد الشرعي. وهذا بخلاف مسلك صاحب الكفاية (ره) فان جعل الحجية لشئ بمعنى كونه منجزا ومعذرا لا يعقل إلا فيما إذا كان لمؤداه اثر شرعي وهو منتف في المقام، إذ لا يكون اثر شرعي للموجودات الخارجية ولا للقضايا التأريخية ليكون الظن منجزا ومعذرا بالنسبة إليه. واما جواز الاخبار عن شئ فهو من آثار العلم به لا من آثار المعلوم بوجوده الواقعي. ولذا لا يجوز الاخبار عن شئ مع عدم العلم به ولو كان ثابتا في الواقع، كما أن الامر في القضاء كذلك، فان الناجي من القضاة هو الذي يحكم بالحق ويعلم انه الحق. واما الذي يحكم بالحق وهو لا يعلم أنه الحق فهو من الهالكين، كالذي يحكم بغير الحق سواء علم بأنه غير الحق أو لم يعلم على ما في الرواية.
وظهر بما ذكرناه انه - على مسلك صاحب الكفاية (ره) - لا يجوز الاخبار البتي بما في الروايات من الثواب على المستحبات أو الواجبات، بأن نقول (من صام في رجب مثلا كان له كذا) بل لا بد من نصب قرينة دالة على أنه مروي عنهم (ع): بأن نقول مثلا روي أنه من صام في رجب كان له كذا.