وتمامية سائر المقدمات كان الظن بالحكم الشرعي حجة، سواء حصل من قول اللغوي أو من غيره، وسواء كان باب العلم باللغة منفتحا أو منسدا.
ثم إن بعض الأعاظم التزم بحجية قول اللغوي، وذكر جريان الانسداد في اللغة بتقريب آخر، وهو ان عدم جواز الرجوع إلى البراءة عند انسداد باب العلم والعلمي في الاحكام انما هو لامرين: (أحدهما) - لزوم الخروج من الدين فانا إذا اقتصرنا على القدر المتيقن وجوبه من اجزاء الصلاة وشرائطها، ورجعنا في غير إلى البراءة، خرجت الصلاة عن حقيقتها. وكذا الحال في غيرها من العبادات والمعاملات. (ثانيهما) - لزوم المخالفة القطعية للعلم الاجمالي بتكاليف الزامية وجوبية وتحريمية في موارد الجهل بالأحكام. والامر الأول وان كان منتفيا في الرجوع إلى البراءة عند انسداد باب العلم باللغة، إلا أنه يلزم الامر الثاني، وهو المخالفة القطعية، لان غالب الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة مجهولة المعاني، مع العلم الاجمالي بتكاليف الزامية في موارد الجهل بها، فلا بد فيها من العمل بالظن الحاصل من قول اللغوي.
وفيه (أولا) - انه لا نسلم لزوم المخالفة القطعية من الرجوع إلى البراءة في موارد الجهل باللغات، إذ ليس في ألفاظ الكتاب والسنة المتعلقة بالأحكام الالزامية ما هو مجهول المعنى إلا القليل، كلفظ الصعيد والغناء ونحو هما، وليس لنا علم اجمالي بتكاليف إلزامية في هذه الموارد، سوى ما نعلمه تفصيلا، فلا محذور في الرجوع إلى البراءة فيها. و (ثانيا) - ان مقدمات الانسداد غير منحصرة في عدم جواز الرجوع إلى البراءة، بل من جملتها عدم إمكان الاحتياط، لعدم قدرة المكلف عليه ، أو لعدم وفاء الوقت به، أو عدم وجوب الاحتياط لاستلزامه العسر والحرج، أو عدم جواز الاحتياط لكونه موجبا لاختلال النظام. وهذه المقدمة غير تامة في المقام، إذ لا يلزم - من الرجوع إلى بالاحتياط في موارد الجهل