وقد جاء فعيل مفردا يراد به الكثرة كقوله تعالى: * (ولا يسأل حميم حميما * يبصرونهم) * (المعارج: 10، 11) ثم خوف نساءه بقوله تعالى: * (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن) * قال المفسرون: عسى من الله واجب، وقرأ أهل الكوفة * (أن يبدله) * بالتخفيف، ثم إنه تعالى كان عالما أنه لا يطلقهن لكن أخبر عن قدرته أنه إن طلقهن أبدله خيرا منهم تخويفا لهن، والأكثر في قوله: * (طلقكن) * الإظهار، وعن أبي عمرو إدغام القاف في الكاف، لأنهما من حروف الفم، ثم وصف الأزواج اللاتي كان يبدله فقال: * (مسلمات) * أي خاضعات لله بالطاعة * (مؤمنات) * مصدقات بتوحيد الله تعالى مخلصات * (قانتات) * طائعات، وقيل: قائمات بالليل للصلاة، وهذا أشبه لأنه ذكر السائحات بعد هذا والسائحات الصائمات، فلزم أن يكون قيام الليل مع صيام النهار، وقرئ (سيحات)، وهي أبلغ وقيل للصائم: سائح لأن السائح لا زاد معه، فلا يزال ممسكا إلى أن يجد من يطعمه فشبه بالصائم الذي يمسك إلى أن يجيء وقت إفطاره، وقيل: سائحات مهاجرات، ثم قال تعالى: * (ثيبات وأبكارا) * لأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة بعضها من الثيب وبعضها من الأبكار، فالذكر على حسب ما وقع، وفيه إشارة إلى أن تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ليس على حسب الشهوة والرغبة، بل على حسب ابتغاء مرضات الله تعالى وفي الآية مباحث: البحث الأول: قوله * (بعد ذلك) * تعظيم للملائكة ومظاهرتهم، وقرئ * (تظاهرا) * و * (تتظاهرا) * و * (تظهرا) *.
البحث الثاني: كيف يكون المبدلات خيرا منهن، ولم يكن على وجه الأرض نساء خير من أمهات المؤمنين؟ نقول: إذا طلقهن الرسول لعصيانهن له، وإيذائهن إياه لم يبقين على تلك الصفة، وكان غيرهن من الموصوفات بهذه الأوصاف مع الطاعة لرسول الله خيرا منهن.
البحث الثالث: قوله: * (مسلمات مؤمنات) * يوهم التكرار، والمسلمات والمؤمنات على السواء؟ نقول: الإسلام هو التصديق باللسان والإيمان هو التصديق بالقلب، وقد لا يتوافقان فقوله: * (مسلمات مؤمنات) * تحقيق للتصديق بالقلب واللسان.
البحث الرابع: قال تعالى: * (ثيبات وأبكارا) * بواو العطف، ولم يقل: فيما عداهما بواو العطف، نقول: قال في " الكشاف ": إنها صفتان متنافيتان، لا يجتمعن فيهما اجتماعهن في سائر الصفات. (فلم يكن بد من الواو).
البحث الخامس: ذكر الثيبات في مقام المدح وهي من جملة ما يقلل رغبة الرجال إليهن.
نقول: يمكن أن يكون البعض من الثيب خيرا بالنسبة إلى البعض من الأبكار عند الرسول لاختصاصهن بالمال والجمال، أو النسب، أو المجموع مثلا، وإذا كان كذلك فلا يقدح ذكر الثيب في المدح لجواز أن يكون المراد مثل ما ذكرناه من الثيب.