فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لانفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) *.
قال الكلبي: كان الرجل إذا أراد الهجرة تعلق به بنوه وزوجته فقالوا: أنت تذهب وتذرنا ضائعين فمنهم من يطيع أهله ويقيم فحذرهم الله طاعة نسائهم وأولادهم، ومنهم من لا يطيع ويقول: أما والله لو لم نهاجر ويجمع الله بيننا وبينكم في دار الهجرة لا ننفعكم شيئا أبدا، فلما جمع الله بينهم أمرهم أن ينفقوا ويحسنوا ويتفضلوا، وقال مسلم الخراساني: نزلت في عوف بن مالك الأشجعي كان أهله وولده يثبطونه عن الهجرة والجهاد، وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن هذه الآية، فقال: هؤلاء رجال من أهل مكة أسلموا وأرادوا أن يأتوا المدينة فلم يدعهم أزواجهم وأولادهم فهو قوله: عدوا لكم فاحذروهم أن تطيعوا وتدعوا الهجرة، وقوله تعالى: * (وإن تعفوا وتصفحوا) * قال هو أن الرجل من هؤلاء إذا هاجر ورأى الناس قد سبقوا بالهجرة وفقهوا في الدين هم أن يعاقب زوجته وولده الذين منعوه الهجرة وإن لحقوا به في دار الهجرة لم ينفق عليهم، ولم يصبهم بخير فنزل: * (وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا) * الآية، يعني أن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم، ينهون عن الإسلام ويثبطون عنه وهم من الكفار فاحذروهم، فظهر أن هذه العداوة إنما هي للكفر والنهي عن الإيمان، ولا تكون بين المؤمنين فأزواجهم وأولادهم المؤمنون لا يكونون عدوا لهم، وفي هؤلاء الأزواج والأولاد الذين منعوا عن الهجرة نزل: * (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) * قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا تطيعوهم في معصية الله تعالى وفتنة أي بلاء وشغل عن الآخرة، وقيل: أعلم الله تعالى أن الأموال والأولاد من جميع ما يقع بهم في الفتنة وهذا عام يعم جميع الأولاد، فإن الإنسان مفتون بولده لأنه ربما عصى الله تعالى بسببه وباشر الفعل الحرام لأجله، كغصب مال الغير وغيره: * (والله عنده أجر عظيم) * أي جزيل، وهو الجنة أخبر أن عنده أجرا عظيما ليتحملوا المؤونة العظيمة، والمعنى لا تباشروا المعاصي بسبب الأولاد ولا تؤثروهم على ما عند الله من الأجر العظيم.
وقوله تعالى: * (فاتقوا الله ما استطعتم) * قال مقاتل: أي ما أطقتم يجتهد المؤمن في تقوى الله ما استطاع، قال قتادة: نسخت هذه الآية قوله تعالى: * (اتقوا الله حق تقاته) * (آل عمران: 102) ومنهم من طعن فيه وقال: لا يصح لأن قوله تعالى: * (اتقوا الله حق تقاته) * لا يراد به الاتقاء فيما لا يستطيعون لأنه فوق الطاقة والاستطاعة، وقوله: * (اسمعوا) * أي لله ولرسوله ولكتابه وقيل: لما أمركم الله ورسوله به * (وأطيعوا) * الله فيما يأمركم * (وأنفقوا) * من أموالكم في حق الله خيرا لأنفسكم، والنصب بقوله: * (وأنفقوا) * كأنه قيل: وقدموا خيرا لأنفسكم، وهو