قوله تعالى: * (فأصدق وأكن من الصالحين) * قال ابن عباس هذا دليل على أن القوم لم يكونوا مؤمنين إذ المؤمن لا يسأل الرجعة.
وقال الضحاك: لا ينزل بأحد لم يحج ولم يؤد الزكاة الموت إلا وسأل الرجعة وقرأ هذه الآية، وقال صاحب " الكشاف ": من قبل أن يعاين ما ييأس معه من الإمهال ويضيق به الخناق ويتعذر عليه الإنفاق، ويفوت وقت القبول فيتحسر على المنع ويعض أنامله على فقد ما كان متمكنا منه، وعن ابن عباس تصدقوا قبل أن ينزل عليكم سلطان الموت فلا تقبل توبة ولا ينفع عمل وقوله: * (وأكن من الصالحين) * قال ابن عباس: أحج وقرئ فأكون وهو على لفظ فأصدق وأكون، قال المبرد: وأكون على ما قبله لأن قوله: * (فأصدق) * جواب للاستفهام الذي فيه التمني والجزم على موضع الفاء، وقرأ أبي فأتصدق على الأصل وأكن عطفا على موضع فأصدق: وأنشد سيبويه أبياتا كثيرة في الحمل على الموضع منها:
(معاوي إننا بشر فأسجح) * فلسنا بالجبال ولا الحديدا فنصب الحديد عطفا على المحل والباء في قوله: بالجبال، للتأكيد لا لمعنى مستقبل يجوز حذفه وعكسه قول ابن أبي سلمى: بدا لي أني لست مدرك ماضي * ولا سابق شيئا إذا كان جاثيا توهم أنه قال بمدرك فعطف عليه قوله سابق، عطفا على المفهوم، وأما قراءة أبي عمرو * (وأكون) * فإنه حمله على اللفظ دون المعنى، ثم أخبر تعالى أنه لا يؤخر من انقضت مدته وحضر أجله فقال: * (ولن يؤخر الله نفسا) * يعني عن الموت إذا جاء أجلها، قال في " الكشاف ": هذا نفي للتأخير على وجه التأكيد الذي معناه منافاة المنفي، وبالجملة فقوله: * (لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم) * تنبيه على الذكر قبل الموت: * (وأنفقوا مما رزقناكم) * تنبيه على الشكر لذلك وقوله تعالى: * (والله خبير بما تعملون) * أي لو رد إلى الدنيا ما زكى ولا حج، ويكون هذا كقوله: * (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) * (الأنعام: 28) والمفسرون على أن هذا خطاب جامع لكل عمل خيرا أو شرا وقرأ عاصم يعملون بالياء على قوله: * (ولن يؤخر الله نفسا) * لأن النفس وإن كان واحدا في اللفظ، فالمراد به الكثير فحمل على المعنى والله أعلم وصلاته وسلامه على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.