وهارون، عن أبي عمرو * (وحي) * بضم الواو بغير ألف وهما لغتان يقال: وحي إليه وأوحى إليه وقرئ * (أحي) * بالهمز من غير واو، وأصله وحي، فقلبت الواو همزة كما يقال: أعد وأزن * (وإذا الرسل أقتت) * (المرسلات: 11) وقوله تعالى: * (أنه استمع نفر من الجن) * فيه مسائل:
المسألة الأولى: أجمعوا على أن قوله: * (أنه استمع) * بالفتح وذلك لأنه نائب فاعل * (أوحي) * فهو كقوله: * (وأوحي إلى هذا القرآن) * (الأنعام: 19) وأجمعوا على كسر إنا في قوله: * (إنا سمعنا) * لأنه مبتدأ محكي بعد القول، ثم ههنا قراءتان إحداهما: أن نحمل البواقي على الموضعين اللذين بينا أنهم أجمعوا عليهما فما كان من الوحي فتح، وما كان من قول الجن كسر، وكلها من قول الجن إلا الآخرين وهما قوله: * (وأن المساجد لله) * (الجن: 18) * (وأنه لما قام) * (الجن: 19)، وثانيهما: فتح الكل والتقدير: فآمنا به وآمنا بأنه تعالى جد ربنا وبأنه كان يقول سفيهنا وكذا البواقي، فإن قيل: ههنا إشكال من وجهين أحدهما: أنه يقبح إضافة الإيمان إلى بعض هذه السورة فإنه يقبح أن يقال: وآمنا بأنه كان يقول: سفيهنا على الله شططا والثاني: وهو أنه لا يعطف على الهاء المخفوضة إلا بإظهار الخافض لا يقال: آمنا به وزيد، بل يقال: آمنا به وبزيد والجواب: عن الإشكالين أنا إذا حملنا قوله: آمنا على معنى صدقنا وشهدنا زال الإشكالان.
المسألة الثانية: * (نفر من الجن) * جماعة منهم ما بين الثلاثة إلى العشرة روي أن ذلك النفر كانوا يهودا، وذكر الحسن أن فيهم يهودا ونصارى ومجوسا ومشركين، ثم اعلم أن الجن حكوا أشياء: النوع الأول: مما حكوه قوله تعالى: * (فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا) * أي قالوا لقومهم حين رجعوا إليهم كقوله: * (فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين) * (الأحقاف: 29)، * (قرآنا عجبا) * أي خارجا عن حد أشكاله ونظائره، و (عجبا) مصدر يوضع موضع العجيب ولا شك أنه أبلغ من العجيب، * (يهدي إلى الرشد) * أي إلى الصواب، وقيل: إلى التوحيد * (فآمنا به) * أي بالقرآن ويمكن أن يكون المراد فآمنا بالرشد الذي في القرآن وهو التوحيد * (ولن نشرك بربنا أحدا) * أي ولن نعود إلى ما كنا عليه من الإشراك به وهذا يدل على أن أولئك الجن كانوا من المشركين.
النوع الثاني: مما ذكره الجن أنهم كما نفوا عن أنفسهم الشرك نزهوا ربهم عن الصاحبة والولد. فقالوا:
* (وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا) *.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في الجد قولان: الأول: الجد في اللغة العظمة يقال: جد فلان أي عظم