* (إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيهآ أبدا) *.
قوله تعالى: * (إلا بلاغا من الله ورسالاته) * ذكروا في هذا الاستثناء وجوها أحدها: أنه استثناء من قوله: * (لا أملك) * (الجن: 21) أي لا أملك لكم ضرا ولا رشدا إلا بلاغا من الله، وقوله: * (قل إني لن يجيرني) * (الجن: 22) جملة معترضة وقعت في البين لتأكيد نفي الاستطاعة عنه وبيان عجزه على معنى: أنه تعالى إن أراد به سوءا لم يقدر أحد أن يجيره منه، وهذا قول الفراء.
وثانيها: وهو قول الزجاج: أنه نصب على البدل من قوله: * (ملتحدا) * (الجن: 22) والمعنى: ولن أجد من دونه ملجأ إلا بلاغا، أي لا ينجيني إلا أن أبلغ عن الله ما أرسلت به، وأقول هذا الاستثناء منقطع لأنه تعالى لما لم يقل ولن أجد ملتحدا بل قال: * (ولن أجد من دونه ملتحدا) *، والبلاغ من الله لا يكون داخلا تحت قوله: * (من دونه ملتحدا) * لأن البلاغ من الله لا يكون من دون الله، بل يكون من الله وبإعانته وتوفيقه ثالثها: قال بعضهم: (إلا) معناه إن (لا) ومعناه: إن لا أبلغ بلاغا كقولك: (إلا) قياما فقعودا، والمعنى: إن لا أبلغ لم أجد ملتحدا، فإن قيل: المشهور أنه يقال بلغ عنه قال عليه السلام: " بلغوا عني، بلغوا عني " فلم قال ههنا: * (بلاغا من الله) *؟ قلنا: (من) ليست (بصفة للتبلغ) إنما هي بمنزلة (من) في قوله: * (براءة من الله) * بمعنى بلاغا كائنا من الله.
أما قوله تعالى: * (ورسالاته) * فهو عطف على * (بلاغا) * كأنه قال: لا أملك لكم إلا التبليغ والرسالات، والمعنى إلا أن أبلغ عن الله فأقول: قال الله كذا ناسبا القول إليه وأن أبلغ رسالاته التي أرسلني بها من غير زيادة ولا نقصان.
قوله تعالى: * (ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم) * قال الواحدي إن مكسورة الهمزة لأن ما بعد فاء الجزاء موضع ابتداء ولذلك حمل سيبويه قوله: * (ومن عاد فينتقم الله منه) * (المائدة: 95) * (ومن كفر فأمتعه) * (البقرة: 126) * (فمن يؤمن بربه فلا يخاف) * (الجن: 13) على أن المبتدأ فيها مضمر وقال صاحب " الكشاف " وقرئ: * (فأن له نار جهنم) * على تقدير فجزاؤه أن له نار جهنم كقولك: * (فأن لله خمسه) * (الأنفال: 41) أي فحكمه أن لله خمسه.
ثم قال تعالى: * (خالدين فيها أبدا) * حملا على معنى الجمع في (من) وفي الآية مسألتان: المسألة الأولى: استدل جمهور المعتزلة بهذه الآية على أن فساق أهل الصلاة مخلدون في النار وأن هذا العموم يشملهم كشموله الكفار، قالوا: وهذا الوعيد مشروط بشرط أن لا يكون هناك توبة ولا طاعة أعظم منها، قالوا: وهذا العموم أقوى في الدلالة على هذا المطلوب من سائر العمومات لأن سائر العمومات ما جاء فيها قوله: * (أبدا) * فالمخالف يحمل الخلود على المكث الطويل، أما ههنا (فقد) جاء لفظ الأبد فيكون ذلك صريحا في إسقاط الاحتمال الذي ذكره المخالف والجواب: أنا بينا في سورة البقرة وجوه الأجوبة على التمسك بهذه العمومات، ونزيد ههنا وجوها أحدها: أن تخصيص