ويقول: حركهما الله تعالى كما أراد، وذكر الأرض والسماء وغيرهما إشارة إلى ما ذكرنا من الدلائل العقلية المؤكدة لما في القرآن من الدلائل السمعية ثالثها: هو أنا ذكرنا أن هذه السورة مفتتحة بمعجزة دالة عليها من باب الهيئة فذكر معجزة القرآن بما يكون جوابا لمنكري النبوة على الوجه الذي نبهنا عليه، وذلك هو أنه تعالى أنزل على نبيه الكتاب وأرسله إلى الناس بأشرف خطاب، فقال: بعض المنكرين كيف يمكن نزول الجرم من السماء إلى الأرض وكيف يصعد ما حصل في الأرض إلى السماء؟ فقال تعالى: * (الشمس والقمر بحسبان) * إشارة إلى (أن) حركتهما بمحرك مختار ليس بطبيعي وهم وافقونا فيه وقالوا: إن الحركة الدورية لا يمكن أن تكون طبيعية اختيارية فنقول: من حرك الشمس والقمر على الإستدارة أنزل الملائكة على الاستقامة ثم النجم والشجر يتحركان إلى فوق على الاستقامة مع أن الثقيل على مذهبكم لا يصعد إلى جهة فوق فذلك بقدرة الله تعالى وإرادته، فكذلك حركة الملك جائزة مثل الفلك، وأما قوله: * (بحسبان) * ففيه إشارة إلى الجواب عن قولهم: * (أأنزل عليه الذكر من بيننا) * (ص: 8) وذلك لأنه تعالى كما اختار لحركتهما ممرا معينا وصوبا معلوما ومقدارا مخصوصا كذلك اختار للملك وقتا معلوما وممرا معينا بفضله وفي التفسير مباحث: الأول: ما الحكمة في تعريفه عما يرجع إلى الله تعالى حيث قال هما: * (بحسبان) * ولم يقل: حركهما الله بحسبان أو سخرهما أو أجراهما كما قال: * (خلق الإنسان) * وقال: * (علمه البيان) *؟ (الرحمن: 3، 4) نقول: فيه حكم منها أن يكون إشارة إلى أن خلق الإنسان وتعليمه البيان أتم وأعظم من خلق المنافع له من الرزق وغيره، حيث صرح هناك بأنه فاعله وصانعه ولم يصرح هنا، ومنها أن قوله: * (الشمس والقمر) * ههنا بمثل هذا في العظم يقول القائل: إني أعطيتك الألوف والمئات مرارا وحصل لك الآحاد والعشرات كثيرا وما شكرت، ويكون معناه حصل لك مني ومن عطائي لكنه يخصص التصريح بالعطاء عند الكثير، ومنها أنه لما بينا أن قوله: * (الشمس والقمر) * إشارة إلى دليل عقلي مؤكد السمعي ولم يقل: فعلت صريحا إشارة إلى أنه معقول إذا نظرت إليه عرفت أنه مني واعترفت به، وأما السمعي فصرح بما يرجع إليه من الفعل الثاني: على أي وجه تعلق الباء من * (بحسبان) *، نقول: هو بين من تفسيره والتفسير أيضا مر بيانه وخرج من وجه آخر، فنقول: في الحسبان وجهان الأول: المشهور أن المراد الحساب يقال: حسب حسابا وحسبانا، وعلى هذا فالباء للمصالحة تقول: قدمت بخير أي مع خير ومقرونا بخير فكذلك الشمس والقمر يجريان ومعهما حسابهما ومثله: * (إنا كل شيء خلقناه بقدر) * (الرعد: 8)، * (وكل شيء عنده بمقدار) * (الرعد: 8) ويحتمل أن تكون للاستعانة كما في قولك: بعون الله غلبت، وبتوفيق الله حجت، فكذلك يجريان بحسبان من الله والوجه الثاني: أن الحسبان هو الفلك تشبيها له بحسبان الرحا وهو ما يدور فيدير الحجر، وعلى هذا فهو للاستعانة كما يقال: في الآلات كتبت بالقلم فهما يدوران بالفلك وهو كقوله تعالى: * (وكل في فلك يسبحون) * (يس: 40)، الثالث: على الوجه المشهور هل كل واحد يجري بحسبان أو كلاهما بحسبان واحد ما المراد؟ نقول: كلاهما محتمل فإن نظرنا إليهما فلكل واحد منهما حساب على حدة فهو
(٨٧)