العين جلدة فيكون قد طمس عليها، وقال غيره: إنهم عموا وصارت عينهم مع وجههم كالصفحة الواحدة، ويؤيده قوله تعالى: * (فذوقوا عذابي) * لأنهم إن بقوا مصرين ولم يروا شيئا هناك لا يكون ذلك عذابا والطمس بالمعنى الذي قاله غير ابن عباس عذاب، فنقول: الأولى أن يقال: إنه تعالى حكى ههنا ما وقع وهو طمس العين وإذهاب ضوئها وصورتها بالكلية حتى صارت وجوههم كالصفحة الملساء ولم يمكنهم الإنكار لأنه أمر وقع، وأما هناك فقد خوفهم بالممكن المقدور عليه فاختار ما يصدقه كل أحد ويعرف به وهو الطمس على العين، لأن إطباق الجفن على العين أمر كثير الوقوع وهو بقدرة الله تعالى وإرادته فقال: * (ولو نشاء لطمسنا على أعينهم) * وما شققنا جفنهم عن عينهم وهو أمر ظاهر الإمكان كثير الوقوع والطمس على ما وقع لقوم لوط نادر، فقال: هناك على أعينهم ليكون أقرب إلى القبول.
المسألة الثالثة: قوله تعالى: * (فذوقوا عذابي ونذر) * خطاب ممن وقع ومع من وقع؟ قلنا: فيه وجوه أحدها: فيه إضمار تقديره فقلت: على لسان الملائكة ذوقوا عذابي ثانيها: هذا خطاب مع كل مكذب تقديره كنتم تكذبون فذوقوا عذابي فإنهم لما كذبوا ذاقوه ثالثها: أن هذا الكلام خرج مخرج كلام الناس فإن الواحد من الملوك إذا أمر بضرب مجرم وهو شديد الغضب فإذا ضرب ضربا مبرحا وهو يصرح والملك يسمع صراخه يقول عند سماع صراخه ذق إنك مجرم مستأهل ويعلم الملك أن المعذب لا يسمع كلامه ويخاطب بكلامه المستغيث الصارخ وهذا كثير فكذلك لما كان كل أحد بمرأى من الله تعالى يسمع إذا عذب معاندا كان قد سخط الله عليه يقول: * (ذق إنك أنت العزيز الكريم) * (الدخان: 49) * (فذوقوا لقاء يومكم هذا) * (السجدة: 14) * (فذوقوا عذابي) * ولا يكون به مخاطبا لمن يسمع ويجيب، وذلك إظهار العدل أي لست بغافل عن تعذيبك فتتخلص بالصراخ والضراعة، وإنما أنا بك عالم وأنت له أهل لما قد صدر منك، فإن قيل: هذا وقع بغير الفاء، وأما بالفاء فلا تقول: وبالفاء فإنه ربما يقول: كنتم تكذبون فذوقوا.
المسألة الرابعة: النذر كيف يذاق؟ نقول: معناه ذق فعلك أي مجازاة فعلك وموجبه ويقال: ذق الألم على فعلك وقوله: * (فذوقوا عذابي) * كقولهم: ذق الألم، وقوله: * (ونذر) * كقولهم ذق فعلك أي ذق ما لزم من إنذاري، فإن قيل: فعلى هذا لا يصح العطف لأن قوله: * (فذوقوا عذابي) * وما لزم من إنذاري وهو العذاب يكون كقول القائل: ذوقوا عذابي وعذابي؟ نقول: قوله تعالى: * (فذوقوا عذابي) * أي العاجل منه، وما لزم من إنذاري وهو العذاب الآجل، لأن الإنذار كان به على ما تقدم بيانه، فكأنه قال: ذوقوا عذابي العاجل وعذابي الآجل، فإن قيل: هما لم يكونا في زمان واحد، فكيف يقال: ذوقوا، نقول: العذاب الآجل أوله متصل بآخر العذاب العاجل، فهما كالواقع في زمان واحد وهو كقوله تعالى: * (أغرقوا فأدخلوا نارا) * (نوح: 25).