كظهر أمي لمعنى مفقود في سائر الصور، وذلك لأن اللفظ المعهود في الجاهلية هو قوله: أنت علي كظهر أمي، ولذلك سمي ظهارا، فكان هذا اللفظ بسبب العرف مشعرا بالتحريم، ولم يوجد هذا المعنى في سائر الألفاظ، فوجب البقاء على حكم الأصل.
القسم الثالث: ما إذا كان الظهر مذكورا ولم تكن الأم مذكورة، فهذا يدل على ثلاثة مراتب:
المرتبة الأولى: أن يجري التشبيه بالمحرمات من النسب والرضاع، وفيه قولان: القديم أنه لا يكون ظهارا، والقول الجديد أنه يكون ظهارا، وهو قول أبي حنيفة. المرتبة الثانية: تشبيهها بالمرأة المحرمة تحريما مؤقتا مثل أن يقول لامرأته: أنت علي كظهر فلانة، وكان طلقها والمختار عندي أن شيئا من هذا لا يكون ظهارا، ودليله ما ذكرناه في المسألة السالفة، وحجة أبي حنيفة أنه تعالى قال: * (والذين يظاهرون) * وظاهر هذه الآية يقتضي حصول الظهار بكل محرم فمن قصره على الأم فقد خص والجواب: أنه تعالى لما قال بعده: * (ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم) * دل على أن المراد هو الظهار بذكر الأم، ولأن حرمة الأم أشد من حرمة سائر المحارم، فنقول: المقتضي لبقاء الحل قائم على ما بيناه، وهذا الفارق موجود، فوجب أن لا يجوز القياس.
القسم الرابع: ما إذا لم يذكر لا الظهر ولا الأم، كما لو قال: أنت علي كبطن أختي، وعلى قياس ما تقدم يجب أن لا يكون ذلك ظهارا.
البحث الثاني: في المظاهر، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: قال الشافعي رحمه الله: الضابط أن كل من صح طلاقه صح ظهاره، فعلى هذا ظهار الذمي عنده صحيح، وقال أبو حنيفة لا يصح، واحتج الشافعي بعموم قوله تعالى: * (والذين يظاهرون من نسائهم) * وأما القياس فمن وجهين الأول: أن تأثير الظهار في التحريم والذمي أهل لذلك، بدليل صحة طلاقه، وإذا ثبت هذا وجب أن يصح هذا التصرف منه قياسا على سائر التصرفات الثاني: أن الكفارة إنما وجبت على المسلم زجرا له عن هذا الفعل الذي هو منكر من القور وزور، وهذا المعنى قائم في حق الذمي فوجب أن يصح، واحتجوا لقول أبي حنيفة بهذه الآية من وجهين الأول: احتج أبو بكر الرازي بقوله تعالى: * (والذين يظاهرون منكم من نسائهم) * وذلك خطاب للمؤمنين فيدل على أن الظهار مخصوص بالمؤمنين الثاني: من لوازم الظهار الصحيح، وجوب الصوم على العائد العاجز عن الإعتاق بدليل قوله تعالى: * (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا - إلى قوله - فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين) * (المجادلة: 3 - 4) وإيجاب الصوم على الذمي ممتنع، لأنه لو وجب لوجب، إما مع الكفر وهو باطل بالإجماع، أو بعد الإيمان وهو باطل، لقوله عليه السلام: " الإسلام يجب ما قبله " والجواب: عن الأول