الأفعال النفسانية، لأن يتميز الحق من الباطل، والحجة من الشبهة، والميزان هو الذي يتوسل به إلى فعل ما ينبغي من الأفعال البدنية، فإن معظم التكاليف الشاقة في الأعمال هو ما يرجع إلى معاملة الخلق، والميزان هو الذي يتميز به العدل عن الظلم والزائد عن الناقص، وأما الجديد ففيه بأس شديد، وهو زاجر للخلق عما لا ينبغي، والحاصل أن الكتاب إشارة إلى القوة النظرية، والميزان إلى القوة العملية، والحديد إلى دفع مالا ينبغي، ولما كان أشرف الأقسام رعاية المصالح الروحانية، ثم رعاية المصالح الجسمانية، ثم الزجر عما لا ينبغي، روعي هذا الترتيب في هذه الآية وثانيها: المعاملة إما مع الخالق وطريقها الكتاب أو مع الخلق وهم: إما الأحباب والمعاملة معهم بالسوية وهي بالميزان، أو مع الأعداء والمعاملة معهم بالسيف والحديد وثالثها: الأقوام ثلاثة: أما السابقون وهم يعاملون الخلق بمقتضى الكتاب، فينصفون ولا ينتصفون، ويحترزون عن مواقع الشبهات، وإما مقتصدون وهم الذين ينصفون وينتصفون، فلا بد لهم من الميزان، وإما ظالمون وهم الذين ينتصفون ولا ينصفون ولا بد لهم من الحديد والزجر ورابعها: الإنسان، إما أن يكون في مقام الحقيقة وهو مقام النفس المطمئنة ومقام المقربين، فههنا لا يسكن إلا إلى الله، ولا يعمل إلا بكتاب الله، كما قال: * (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) * (الرعد: 28) وإما أن يكون في مقام الطريقة وهو مقام النفس اللوامة، ومقام أصحاب اليمين، فلا بد له من الميزان في معرفة الأخلاق حتى يحترز عن طرفي الإفراط والتفريط، ويبقى على الصراط المستقيم وإما أن يكون في مقام الشريعة وهو مقام النفس الأمارة، وههنا لا بد له من حديد المجاهدة والرياضات الشاقة وخامسها: الإنسان إما أن يكون صاحب المكاشفة والوصول فلا أنس له إلا بالكتاب، أو صاحب الطلب والاستدلال فلا بد له من ميزان الدليل والحجة أو صاحب العناد واللجاج، فلا بد وأن ينفى من الأرض بالحديد وسادسها: أن الدين هو إما الأصول وإما الفروع، وبعبارة أخرى: إما المعارف وإما الأعمال، فالأصول من الكتاب، وأما الفروع: فالمقصود الأفعال التي فيها عدلهم ومصلحتهم وذلك بالميزان فإنه إشارة إلى رعاية العدل، والحديد لتأديب من ترك ذينك الطريقين وسابعها: الكتاب إشارة إلى ما ذكر الله في كتابه من الأحكام المقتضية للعدل والإنصاف، والميزان إشارة إلى حمل الناس على تلك الأحكام المبنية على العدل والإنصاف وهو شأن الملوك، والحديد إشارة إلى أنهم لو تمردوا لوجب أن يحملوا عليهما بالسيف، وهذا يدل على أن مرتبة العلماء وهم أرباب الكتاب مقدمة على مرتبة الملوك الذين هم أرباب السيف، ووجوه المناسبات كثيرة، وفيما ذكرناه تنبيه على الباقي. المسألة الثانية: ذكروا في: إنزال الميزان وإنزال الحديد، قولين: الأول: أن الله تعالى أنزلهما من السماء، روي أن جبريل عليه السلام نزل بالميزان فدفعه إلى نوح، وقال: مر قومك يزنوا به، وعن ابن عباس نزل آدم من الجنة ومعه خمسة أشياء من الحديد السندان والكلبتان
(٢٤١)