المسألة الأولى: قال الفراء: لا فرق في اللغة بين أن يقال: يعودون لما قالوا، وإلى ما قالوا وفيما قالوا، أبو علي الفارسي: كلمة إلى واللام يتعاقبان، كقوله: * (الحمد لله الذي هدانا لهذا) * (الأعراف: 43) وقال: * (فاهدوهم إلى صراط الجحيم) * (الصافات: 23) وقال تعالى: * (وأوحى إلى نوح) * (هود: 36) وقال: * (بأن ربك أوحى لها) * (الزلزلة: 5).
المسألة الثانية: لفظ * (ما قالوا) * في قوله: * (ثم يعودون لما قالوا) * فيه وجهان أحدهما: أنه لفظ الظهار، والمعنى أنهم يعودون إلى ذلك اللفظ والثاني: أن يكون المراد بقوله: * (لما قالوا) * المقول فيه، وهو الذي حرموه على أنفسهم بلفظ الظهار، تنزيلا للقول منزلة المقول فيه، ونظيره قوله تعالى: * (ونرثه ما يقول) * (مريم: 80) أي ونرثه المقول، وقال عليه السلام: " العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه " وإنما هو عائد في الموهوب، ويقول الرجل: اللهم أنت رجاؤنا، أي مرجونا، وقال تعالى: * (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) * (الحجر: 99) أي الموقن به، وعلى هذا معنى قوله: * (ثم يعودون لما قالوا) * أي يعودون إلى الشيء الذي قالوا فيه ذلك القول، ثم إذا فسرنا هذا اللفظ بالوجه الأول فنقول: قال أهل اللغة، يجوز أن يقال: عاد لما فعل، أي فعله مرة أخرى، ويجوز أن يقال: عاد لما فعل، أي نقض ما فعل، وهذا كلام معقول، لأن من فعل شيئا ثم أراد أن يقال مثله، فقد عاد إلى تلك الماهية لا محالة أيضا، وأيضا من فعل شيئا ثم أراد إبطاله فقد عاد إليه، لأن التصرف في الشيء بالإعدام لا يمكن إلا بالعود إليه.
المسألة الثالثة: ظهر مما قدمنا أن قوله: * (ثم يعودون لما قالوا) * يحتمل أن يكون المراد ثم يعودون إليه بالنقض والرفع والإزالة، ويحتمل أن يكون المراد منه، ثم يعودون إلى تكوين مثله مرة أخرى، أما الاحتمال الأول فهو الذي ذهب إليه أكثر المجتهدين واختلفوا فيه على وجوه: الأول: وهو قول الشافعي أن معنى العود لما قالوا السكوت عن الطلاق بعد الظهار زمانا يمكنه أن يطلقها فيه، وذلك لأنه لما ظاهر فقد قصد التحريم، فإن وصل ذلك بالطلاق فقد تمم ما شرع منه من إيقاع التحريم، ولا كفارة عليه، فإذا سكت عن الطلاق، فذاك يدل على أنه ندم على ما ابتدأ به من التحريم، فحينئذ تجب عليه الكفارة، واحتج أبو بكر الرازي في " أحكام القرآن " على فساد هذا القول من وجهين: الأول: أنه تعالى قال: * (ثم يعودون لما قالوا) * وثم تقتضي التراخي، وعلى هذا القول يكون المظاهر عائدا عقيب القول بلا تراخ، وذلك خلاف مقتضى الآية الثاني: أنه شبهها بالأم والأم لا يحرم إمساكها، فتشبيه الزوجة بالأم لا يقتضي حرمة إمساك الزوجة، فلا يكون إمساك الزوجة نقضا لقوله: أنت علي كظهر أمي، فوجب أن لا يفسر العود بهذا الإمساك والجواب عن الأول: أن هذا أيضا وارد على قول أبي حنيفة فإنه جعل تفسير العود استباحة الوطء، فوجب أن لا يتمكن المظاهر من العود إليها بهذا التفسير عقيب فراغه من التلفظ بلفظ الظهار حتى يحصل التراخي، مع أن الأمة مجمعة على أن له ذلك، فثبت أن هذا الإشكال وارد عليه أيضا، ثم نقول: إنه ما لم ينقض زمان يمكنه أن يطلقها فيه، لا يحكم عليه بكونه عائدا، فقد تأخر كونه عائدا عن