من وجوه أحدها: أن قوله: * (منكم) * خطاب مشافهة فيتناول جميع الحاضرين، فلم قلتم: إنه مختص بالمؤمنين؟ سلمنا أنه مختص بالمؤمنين، فلم قلتم: إن تخصيصه بالمؤمنين في الذكر يدل على أن حال غيرهم بخلاف ذلك، لا سيما ومن مذهب هذا القائل: أن التخصيص بالذكر لا يدل على أن حال ما عداه بخلافه، سلمنا بأنه يدل عليه، لكن دلالة المفهوم أضعف من دلالة المنطوق، فكان التمسك بعموم قوله: * (والذين يظاهرون) * أولى، سلمنا الاستواء في القوة، لكن مذهب أبي حنيفة أن العام إذا ورد بعد الخاص كان ناسخا للخاص، والذي تمسكنا به وهو قوله: * (والذين يظاهرون من نسائهم) * (المجادلة: 3) متأخر في الذكر عن قوله: * (الذين يظاهرون منكم) * والظاهر أنه كان متأخرا في النزول أيضا لأن قوله: * (الذين يظاهرون منكم) * ليس فيه بيان حكم الظهار، وقوله: * (والذين يظاهرون من نسائهم) * فيه بيان حكم الظهار، وكون المبين متأخرا في النزول عن المجمل أولى والجواب عن الثاني من وجوه الأول: أن لوازمه أيضا أنه متى عجز عن الصوم اكتفى منه بالإطعام فههنا إن تحقق العجز وجب أن يكتفى منه بالإطعام، وإن لم يتحقق العجز فقد زال السؤال، والثاني: أن الصوم يدل عن الإعتاق، والبدل أضعف من المبدل، ثم إن العبد عاجز عن الإعتاق مع أنه يصح ظهاره، فإذا كان فوات أقوى اللازمين لا يوجب المنع، مع صحة الظهار، ففوات أضعف اللازمين كيف يمنع من القول بصحة الظهار الثالث: قال القاضي حسين من أصحابنا إنه يقال: إن أردت الخلاص من التحريم، فأسلم وصم، أما قوله عليه والسلام: " الإسلام يجب ما قبله " قلنا: إنه عام، والتكليف بالتكفير خاص، والخاص مقدم على العام، وأيضا فنحن لا نكلفه بالصوم بل نقول: إذا أردت إزالة التحريم فصم، وإلا فلا تصم.
المسألة الثانية: قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك رحمهم الله: لا يصح ظهار المرأة من زوجها وهو أن تقول المرأة لزوجها: أنت علي كظهر أمي، وقال الأوزاعي: هو يمين تكفرها، وهذا خطأ لأن الرجل لا يلزمه بذلك كفارة يمين، وهو الأصل فكيف يلزم المرأة ذلك؟ ولأن الظهار يوجب تحريما بالقول، والمرأة لا تملك ذلك بدليل أنها لا تملك الطلاق.
المسألة الثالثة: قال الشافعي وأبو حنيفة إذا قال أنت علي كظهر أمي اليوم، بطل الظهار بمضي اليوم، وقال مالك وابن أبي ليلى، هو مظاهر أبدا لنا أن التحريم الحاصل بالظهار قابل للتوقيت وإلا لما انحل بالتفكير، وإذا كان قابلا للتوقيت، فإذا وقته وجب أن يتقدر بحسب ذلك التوقيت قياسا على اليمين، فهذا ما يتعلق من المسائل بقوله تعالى: * (الذين يظاهرون) *، أما قوله تعالى: * (من نسائهم) * فيتعلق به أحكام المظاهر منه، واختلفوا في أنه هل يصح الظهار عن الأمة؟ فقال أبو حنيفة والشافعي: لا يصح، وقال مالك والأوزاعي: يصح، حجة الشافعي أن الحل كان ثابتا، والتكفير لم يكن واجبا، والأصل في الثابت البقاء، والآية لا تتناول هذه الصورة لأن قوله: * (والذين يظاهرون من نسائهم) * (المجادلة: 3) يتناول الحرائر دون الإماء، والدليل عليه قوله: * (أو نسائهن) * (النور: 31) والمفهوم منه الحرائر