الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر، ولا شك أن هذه الأشياء أمور محقرة، وأما الآخرة فهي عذاب شديد دائم أو رضوان الله على سبيل الدوام، ولا شك أن ذلك عظيم.
المسألة الثانية: اعلم أن الحياة الدنيا حكمة وصواب، ولذلك لما قال تعالى: * (إني جاعل في الأرض خليفة... قال إني علم مالا تعلمون) * (البقرة: 30) ولولا أنها حكمة وصواب لما قال ذلك، ولأن الحياة خلقه، كما قال: * (الذي خلق الموت والحياة) * (الملك: 2) وأنه لا يفعل العبث على ما قال: * (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا) * (المؤمنين: 115) وقال: * (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا) * ولأن الحياة نعمة بل هي أصل لجميع النعم، وحقائق الأشياء لا تختلف بأن كانت في الدنيا أو في الآخرة، ولأنه تعالى عظم المنة بخلق الحياة فقال: * (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم) * (البقرة: 28) فأول ما ذكر من أصناف نعمه هو الحياة، فدل مجموع ما ذكرنا على أن الحياة الدنيا غير مذمومة، بل المراد أن من صرف هذه الحياة الدنيا لا إلى طاعة الله بل إلى طاعة الله بل إلى طاعة الشيطان ومتابعة الهوى، فذاك هو المذموم، ثم إنه تعالى وصفها بأمور: أولها: أنها * (لعب) * وهو فعل الصبيان الذين يتعبون أنفسهم جدا، ثم إن تلك المتاعب تنقضي من غير فائدة وثانيها: أنها * (لهو) * وهو فعل الشبان، والغالب أن بعد انقضائه لا يبقى إلا الحسرة، وذلك لأن العاقل بعد انقضائه يرى المال ذاهبا والعمر ذاهبا، واللذة منقضية، والنفس ازدادت شوقا وتعطشا إليه مع فقدانها، فتكون المضار مجتمعة متوالية وثالثها: أنها * (زينة) * وهذا دأب النساء لأن المطلوب من الزينة تحسين القبيح، وعمارة البناء المشرف على أن يصير خرابا، والاجتهاد في تكميل الناقص، ومن المعلوم أن العرضي لا يقاوم الذاتي، فإذا كانت الدنيا منقضية لذاتها، فاسدة لذاتها، فكيف يتمكن العاقل من إزالة هذه المفاسد عنها، قال ابن عباس: المعنى أن الكافر يشتغل طول حياته بطلب زينة الدنيا دون العمل للآخرة، وهذا كما قيل: حياتك يا مغرور سهو وغفلة (c) * ورابعها: * (تفاخر بينكم) * بالصفات الفانية الزائلة، وهو إما التفاخر بالنسب، أو التفاخر بالقدرة والقوة والعساكر وكلها ذاهبة وخامسها: قوله: * (وتكاثر في الأموال والأولاد) * قال ابن عباس: يجمع المال في سخط الله، ويتباهى به على أولياء الله، ويصرفه في مساخط الله، فهو ظلمات بعضها فوق بعض، وأنه لا وجه بتبعية أصحاب الدنيا يخرج عن هذه الأقسام، وبين أن حال الدنيا إذا لم يخل من هذه الوجوه فيجب أن يعدل عنها إلى ما يؤدي إلى عمارة الآخرة، ثم ذكر تعالى لهذه الحياة مثلا، فقال: * (كمثل غيث) * يعني المطر، ونظيره قوله تعالى: * (واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء) * ( الكهف: 45) والكاف في قوله: * (كمثل غيث) * موضعة رفع من وجهين أحدهما: أن يكون صفة لقوله: * (لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر) *، والآخر: أن يكون خبرا بعد خبر قاله الزجاج، وقوله: * (أعجب الكفار نباته) * فيه قولان: الأول: قال ابن مسعود: المراد من الكفار الزراع قال الأزهري: والعرب تقول للزارع: كافر، لأنه يكفر البذر الذي يبذره بتراب الأرض، وإذا