لكن المؤمن قد يكون له خشوع وخشية، وقد لا يكون كذلك، ثم على هذا القول تحتمل الآية وجوها أحدها: لعل طائفة من المؤمنين ما كان فيهم مزيد خشوع ولا رقة، فحثوا عليه بهذه الآية وثانيها: لعل قوما كان فيهم خشوع كثير، ثم زال منهم شدة ذلك الخشوع فحثوا على المعاودة إليها، عن الأعمش قال: إن الصحابة لما قدموا المدينة أصابوا لينا في العيش ورفاهية، ففتروا عن بعض ما كانوا عليه فعوتبوا بهذه الآية وعن أبي بكر: أن هذه الآية قرئت بين يديه وعنده قوم من أهل اليمامة فبكوا بكاء شديدا، فنظر إليهم فقال: هكذا كنا حتى قست القلوب، وأما قوله: * (لذكر الله) * ففيه قولان: الأول: أن تقدير الآية، أما حان للمؤمنين أن ترق قلوبهم لذكر الله، أي مواعظ الله التي ذكرها في القرآن، وعلى هذا الذكر مصدر أضيف إلى الفاعل والقول الثاني: أن الذكر مضاف إلى المفعول، والمعنى لذكرهم الله، أي يجب أن يورثهم الذكر خشوعا، ولا يكونوا كمن ذكره بالغفلة فلا يخشع قلبه للذكر، وقوله تعالى: * (وما نزل من الحق) * فيه مسائل:
المسألة الأولى: (ما) في موضع جر بالعطف على الذكر وهو موصول، والعائد إليه محذوف على تقدير * (وما نزل من الحق) *، ثم قال ابن عباس في قوله: * (وما نزل من الحق) * يعني القرآن.
المسألة الثانية: قال أبو علي: قرأ نافع وحفص والمفضل عن عاصم، * (وما نزل من الحق) * خفيفة، وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم، * (وما نزل) *، مشددة، وعن أبي عمرو * (وما نزل من الحق) * مرتفعة النون مكسورة الزاي، والتقدير في القراءة الأولى: أن تخشع قلوبهم لذكر الله ولما نزل من الحق، وفي القراءة الثانية ولما نزله الله من الحق، وفي القراءة الثالثة ولما نزل من الحق.
المسألة الثالثة: يحتمل أن يكون المراد من الحق هو القرآن لأنه جامع للوصفين الذكر والموعظة وإنه حق نازل من السماء، ويحتمل أن يكون المراد من الذكر هو ذكر الله مطلقا، والمراد بما نزل من الحق هو القرآن، وإنما قدم الخشوع بالذكر على الخشوع بما نزل من القرآن، لأن الخشوع والخوف والخشية لا تحصل إلا عند ذكر الله، فأما حصولها عند سماع القرآن فذاك لأجل اشتمال القرآن على ذكر الله، ثم قال تعالى: * (ولا يكونوا) * قال الفراء: هو في موضع نصب معناه: ألم يأن أن تخشع قلوبهم، وأن لا يكونوا، قال: ولو كان جزما على النهي كان صوابا، ويدل على هذا الوجه قراءة من قرأ بالتاء على سبيل الالتفات، ثم قال: * (كالذين أوتوا الكتاب من قبل) * يريد اليهود والنصارى: * (فطال عليهم الأمد) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: ذكروا في تفسير طول الأمد وجوها أحدها: طالت المدة بينهم وبين أنبيائهم فقست قلوبهم وثانيها: قال ابن عباس: مالوا إلى الدنيا وأعرضوا عن مواعظ الله وثالثها: طالت أعمارهم في الغفلة فحصلت القسوة في قلوبهم بذلك السبب ورابعها: قال: