نوع إهانة في المعنى، وذلك لأن الأضداد ينبغي أن تقابل بالأضداد، فالمس بالمطهر في مقابلة المس على غير طهر، وترك المس خروج عن كل واحدة منهما فكذلك الإكرام في مقابلة الإهانة وهناك شيء لا إكرام ولا إهانة فنقول: إن من لا يمس المصحف لا يكون مكرما ولا مهينا وبترك المس خرج عن الضدين ففي المس عن الطهر التعظيم، وفي المس على الحدث الإهانة فلا تجوز وهو معنى دقيق يليق بالشافعي رحمه الله ومن يقرب منه في الدرجة. ثم إن ههنا لطيفة فقهية لاحت لهذا الضعيف في حال تفكره في تفسير هذه الآية فأراد تقييدها هنا فإنها من فضل الله فيجب علي إكرامها بالتقييد بالكتاب، وهي أن الشافعي رحمه الله منع المحدث والجنب من مس المصحف وجعلهما غير مطهرين ثم منع الجنب عن قراءة القرآن ولم يمنع المحدث وهو استنباط منه من كلام الله تعالى، وذلك لأن الله تعالى منعه عن المسجد بصريح قوله: * (ولا جنبا) * (النساء: 43) فدل ذلك على أنه ليس أهلا للذكر لأنه لو كان أهلا للذكر لما منعه من دخول المسجد لأنه تعالى أذن لأهل الذكر في الدخول بقوله تعالى: * (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه) * (النور: 36) الآية، والمأذون في الذكر في المسجد مأذون في دخول المسجد ضرورة فلو كان الجنب أهلا للذكر لما كان ممنوعا عن دخول المسجد والمكث فيه وأنه ممنوع عنهما وعن أحدهما، وأما المحدث فعلم أنه غير ممنوع عن دخول المسجد فإن من الصحابة من كان يدخل المسجد وجوز النبي صلى الله عليه وسلم نوم القوم في المسجد وليس النوم حدثا إذ النوم الخاص يلزمه الحكم بالحدث على اختلاف بين الأئمة وما لم يكن ممنوعا من دخول المسجد لم يثبت كونه غير أهل للذكر فجاز له القراءة، فإن قيل: وكان ينبغي أن لا يجوز للجنب أن يسبح ويستغفر لأنه ذكر، نقول: القرآن هو الذكر المطلق قال الله تعالى: * (وإنه لذكر لك ولقومك) * (الزخرف: 44) وقال الله تعالى: * (والقرآن ذي الذكر) * (ص: 1) وقوله: * (يذكر فيها اسمه) * مع أنا نعلم أن المسجد يسمى مسجدا، ومسجد القوم محل السجود، والمراد منه الصلاة والذكر الواجب في الصلاة هو القرآن، فالقرآن مفهوم من قوله: * (يذكر فيها اسمه) *، ومن حيث المعقول هو أن غير القرآن ربما يذكر مريدا به معناه فيكون كلاما غير ذكرا، فإن من قال: أستغفر الله أخبر عن نفسه بأمر، ومن قال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم كذلك أخبر عن أمر كائن بخلاف من قال: * (قل هو الله أحد) * (الصمد: 1) فإنه ليس بمتكلم به بل هو قائل له غير آمر لغيره بالقول، فالقرآن هو الذكر الذي لا يكون إلا على قصد الذكر لا على قصد الكلام فهو المطلق وغيره قد يكون ذكرا، وقد لا يكون، فإن قيل: فإذا قال: * (ادخلوها بسلام) * (الحجر: 46) وأراد الإخبار ينبغي أن لا يكون قرآنا وذكرا، نقول: هو في نفسه قرآن، ومن ذكره على قصد الإخبار، وأراد الأمر والإذن في الدخول يخرج عن كونه قارئا للقرآن، وإن كان لا يخرج عن كونه قرآنا، ولهذا نقول نحن ببطلان صلاته ولو كان قارئا لما بطلت، وهذا جواب فيه لطف ينبغي أن يتنبه له المطالع لهذا الكتاب، وذلك من حيث إني فرقت بين أن يقال ليس قول
(١٩٤)