وأنت إليه محتاج، وقوله: لولا، ولوما، كقوله: لم لا تفعل، ولم لا فعلت، فقد وجد في ألا زيادة نص، لأن نقل اللفظ لا يخلو من نص، كما أن المعنى صار فيه زيادة ما، على ما في الأصل كما بيناه، وقوله تعالى: * (فلولا إذا بلغت الحلقوم) * أي لم لا يقولون عند الموت وهو وقت ظهور الأمور وزمان اتفاق الكلمات، ولو كان ما يقولونه حقا ظاهرا كما يزعمون لكان الواجب أن يشركوا عند النزع، وهذا إشارة إلى أن كل أحد يؤمن عند الموت لكن لم يقبل إيمان من لم يؤمن قبله، فإن قيل: ما سمع منهم الاعتراف وقت النزع بل يقولون: نحن نكذب الرسل أيضا وقت بلوغ النفس إلى الحلقوم ونموت عليه؟ فنقول: هذه الآية بعينها إشارة وبشارة، أما الإشارة فإلى الكفار، وأما البشارة فللرسل، أما الإشارة وهي أن الله تعالى ذكر للكفار حالة لا يمكنهم إنكارها وهي حالة الموت فإنهم وإن كفروا بالحشر وهو الحياة بعد الموت لكنهم لم ينكروا الموت، وهو أظهر من كل ما هو من مثله فلا يشكون في حالة النزع، ولا يشكون في أن في ذلك الوقت لا يبقى لهم لسان ينطق، ولا إنكار بعمل فتفوتهم قوة الاكتساب لإيمانهم ولا يمكنهم الإتيان بما يجب فيكون ذلك حثا لهم على تجديد النظر النظر في طلب الحق قبل تلك الحالة، وأما البشارة فلأن الرسل لما كذبوا وكذب مرسلهم صعب عليهم، فبشروا بأن المكذبين سيرجعون عما يقولون، ثم هو إن كان قبل النزع فذلك مقبول وإلا فعند الموت وهو غير نافع، والضمير في * (بلغت) * للنفس أو للحياة أو الروح، وقوله: * (وأنتم حينئذ تنظرون) * تأكيد لبيان الحق أي في ذلك الوقت تصير الأمور مرئية مشاهدة ينظر إليها كل من بلغ إلى تلك الحالة، فإن كان ما ذكرتم حقا كان ينبغي أن يكون في ذلك الوقت، وقد ذكرنا التحقيق في * (حينئذ) * في قوله: * (يومئذ) * (الطور: 11) في سورة والطور واللفظ والمعنى متطابقان على ما ذكرنا لأنهم كانوا يكذبون بالرسل والحشر، وصرح به الله في هذه السورة عنهم حيث قال: إنهم * (وكانوا يصرون على الحنث العظيم * وكانوا يقولون أئذا متنا) * (الواقعة: 46، 47) وهذا كالتصريح بالتكذيب لأنهم ما كانوا ينكرون أن الله تعالى منزل لكنهم كانوا يجعلون أيضا الكواكب من المنزلين، وأما المضمر فذكره الله تعالى عند قوله: * (أفرأيتم الماء الذي تشربون) * (الواقعة: 68) ثم قال: * (أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون) * (الواقعة: 69) بالواسطة وبالتفويض على ما هو مذهب المشركين أو مذهب الفلاسفة.
وأيضا التفسير المشهور محتاج إلى إضمار تقديره أتجعلون شكر رزقكم، وأما جعل الرزق بمعنى المعاش فأقرب، يقال: فلان رزقه في لسانه، ورزق فلان في رجله ويده، وأيضا فقوله تعالى: * (فلولا إذا بلغت الحلقوم) * متصل بما قبله لما بينا أن المراد أنكم تكذبون الرسل فلم لا تكذبونهم وقت النزع لقوله تعالى: * (ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله) * (العنكبوت: 63) فعلم أنهم كذبوا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كذب المنجمون ورب الكعبة " ولم يكذبوا وهذا على قراءة من يقرأ * (تكذبون) * بالتخفيف، وأما المدهن فعلى ما ذكرنا يبقى على الأصل ويوافقه: * (ودوا لو تدهن فيدهنون) * (القلم: 9) فإن المراد هناك ليس تكذب فيكذبون، لأنهم أرادوا النفاق لا التكذيب الظاهر.