الطاغوت وجب أن يكون ما سوى الله طاغوتا، ثم إنه تعالى أمر المقاتلين في سبيل الله بأن يقاتلوا أولياء الشيطان، وبين أن كيد الشيطان كان ضعيفا، لأن الله ينصر أولياءه، والشيطان ينصر أولياءه ولا شك أن نصرة الشيطان لأوليائه أضعف من نصرة الله لأوليائه، ألا ترى أن أهل الخير والدين يبقى ذكرهم الجميل على وجه الدهر وان كانوا حال حياتهم في غاية الفقر والذلة، وأما الملوك والجبابرة فإذا ماتوا انقرض أثرهم ولا يبقى في الدنيا رسمهم ولا ظلمهم، والكيد السعي في فساد الحال على جهة الاحتيال عليه يقال: كاده يكيده إذا سعى في إيقاع الضرر على جهة الحيلة عليه وفائدة إدخال (كان) في قوله: * (كان ضعيفا) * للتأكيد لضعف كيده، يعني أنه منذ كان كان موصوفا بالضعف والذلة.
قوله تعالى * (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلوة وءاتوا الزكوة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والاخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا) *.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: هذه الآية صفة للمؤمنين أو المنافقين؟ فيه قولان: الأول: أن الآية نزلت في المؤمنين، قال الكلبي: نزلت في عبد الرحمن بن عوف والمقداد وقدامة بن مظعون وسعد بن أبي وقاص، كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يهاجروا إلى المدينة، ويلقون من المشركين أذى شديدا فيشكون ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون: ائذن لنا في قتالهم ويقول لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفوا أيديكم فاني لم أومر بقتالهم، واشتغلوا بإقامة دينكم