بيان لطيف.
المسألة الثالثة: أم الإنسان من الرضاع هي التي أرضعته، وكذلك كل امرأة انتسبت إلى تلك المرضعة بالأمومة، إما من جهة النسب أو من جهة الرضاع، والحال في الأب كما في الأم، وإذا عرفت الأم والأب فقد عرفت البنت أيضا بذلك الطريق، وأما الأخوات فثلاثة: الأولى أختك لأبيك وأمك، وهي الصغيرة الأجنبية التي أرضعتها أمك بلبن أبيك، سواء أرضعتها معك أو مع ولد قبلك أو بعدك، والثانية أختك لأبيك دون أمك، وهي التي أرضعتها زوجة أبيك بلبن أبيك، والثالثة أختك لأمك دون أبيك، وهي التي أرضعتها أمك بلبن رجل آخر، وإذا عرفت ذلك سهل عليك معرفة العمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت.
المسألة الرابعة: قال الشافعي رحمة الله عليه: الرضاع يحرم بشرط أن يكون خمس رضعات، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: الرضعة الواحدة كافية، وقد مرت هذه المسألة في سورة البقرة، واحتج أبو بكر الرازي بهذه الآية فقال: انه تعالى علق هذا الاسم يعني الأمومة والاخوة بفعل الرضاع، فحيث حصل هذا الفعل وجب أن يترتب عليه الحكم، ثم سأل نفسه فقال: ان قوله تعالى: * (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) * بمنزلة قول القائل: وأمهاتكم اللاتي أعطينكم، وأمهاتكم اللاتي كسونكم، وهذا يقتضي تقدم حصول صفة الأمومة والأختية على فعل الرضاع، بل لو أنه تعالى قال: اللاتي أرضعنكم هن أمهاتكم لكان مقصودكم حاصلا.
وأجاب عنه بأن قال: الرضاع هو الذي يكسوها سمة الأمومة، فلما كان الاسم مستحقا بوجود الرضاع كان الحكم معلقا به، بخلاف قوله وأمهاتكم اللاتي كسونكم، لأن اسم الأمومة غير مستفاد من الكسوة، قال ويدل على أن ذلك مفهوم من هذه الآية ما روي أنه جاء رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما فقال: قال ابن الزبير: لا بأس بالرضعة ولا بالرضعتين، فقال ابن عمر: قضاء الله خير من قضاء ابن الزبير، قال الله تعالى: * (وأخوتكم من الرضاعة) * قال: فعقل ابن عمر من ظاهر اللفظ التحريم بالرضاع القليل.
واعلم أن هذا الجواب ركيك جدا، أما قوله: ان اسم الأمومة إنما جاء من فعل الرضاع فنقول: وهل النزاع الا فيه، فان عندي أن اسم الأمومة إنما جاء من الرضاع خمس مرات، وعندك إنما جاء من أصل الرضاع، وأنت إنما تمسكت بهذه الآية لاثبات هذا الأصل، فإذا أثبت التمسك بهذه الآية على هذا الأصل كنت قد أثبت الدليل بالمدلول وإنه دور وساقط، وأما التمسك بأن ابن عمر فهم من الآية حصول التحريم بمجرد فعل الرضاع، فهو معارض بما أن ابن الزبير ما فهمه