الكل عليه تكريرا، وإدخال لفظ البعض عليه نقصا، ومعلوم أنه ليس كذلك، فثبت أن قوله: * (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم) * لا يفيد العموم، وإذا لم يفد العموم لم يتناول محل النزاع.
لا يقال: لو لم يفد العموم لم يكن صرفه إلى بعض الأقسام أولى من صرفه إلى الباقي، فحينئذ يصير مجملا غير مفيد، والأصل أن لا يكون كذلك.
لأنا نقول: لا نسلم أن بتقدير أن لا يفيد العموم لم يكن صرفه إلى البعض أولى من صرفه إلى غيره، وذلك لأن المفسرين أجمعوا على أن سبب نزوله إنما هو التزوج بزوجات الآباء، فكان صرفه إلى هذا القسم أولى، وبهذا التقدير لا يلزم كون الآية مجملة، ولا يلزم كونها متناولة لمحل النزاع.
الوجه الرابع: سلمنا أن هذا النهي يتناول محل النزاع، لكن لم قلتم: إنه يفيد التحريم؟ أليس أن كثيرا من أقسام النهي لا يفيد التحريم، بل يفيد التنزيه، فلم قلتم: إنه ليس الأمر كذلك؟ أقصى ما في الباب أن يقال: هذا على خلاف الأصل، ولكن يجب المصير إليه إذا دل الدليل، وسنذكر دلائل صحة هذا النكاح إن شاء الله تعالى.
الوجه الخامس: أن ما ذكرتم هب أنه يدل على فساد هذا النكاح، إلا أن ههنا ما يدل على صحة هذا النكاح وهو من وجوه:
الحجة الأولى: هذا النكاح منعقد فوجب أن يكون صحيحا، بيان أنه منعقد أنه عند أبي حنيفة رضي الله عنه منهي عنه بهذه الآية، ومن مذهبه أن النهي عن الشيء يدل على كونه في نفسه منعقدا وهذا هو أصل مذهبه في مسألة البيع الفاسد وصوم يوم النحر، فيلزم من مجموع هاتين المقدمتين أن يكون هذا النكاح منعقدا على أصل أبي حنيفة، وإذا ثبت القول بالانعقاد في هذه الصورة وجب القول بالصحة لأنه لا قائل بالفرق. فهذا وجه حسن من طريق الالزام عليهم في صحة هذا النكاح. الحجة الثانية: عموم قوله تعالى: * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * (البقرة: 221) نهى عن نكاح المشركات ومد النهي إلى غاية وهي إيمانهن، والحكم الممدود إلى غاية ينتهي عند حصول تلك الغاية، فوجب أن ينتهي المنع من نكاحهن عند إيمانهن، وإذا انتهى المنع حصل الجواز، فهذا يقتضي جواز نكاحهن على الاطلاق، ولا شك أنه يدخل في هذا العموم مزنية الأب وغيرها، أقصى ما في الباب أن هذا العموم دخله التخصيص في مواضع يبقى حجة في غير محل التخصيص. وكذلك نستدل بجميع العمومات الواردة في باب النكاح كقوله تعالى: * (وأنكحوا الأيامى) * (النور: 32) وقوله: * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) * (النساء: 3) وأيضا نتمسك بقوله تعالى: * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * (النساء: 24) وليس لأحد أن يقول: إن قوله: