استجابوا لربهم " إلى قوله: " ينفقون " وهم الأنصار: ثم ذكر الصنف الثالث فقال: " والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون " من المشركين:
والثاني: أنه بغي المسلمين على المسلمين خاصة.
والثالث: أنه عام في جميع البغاة، سواء كانوا مسلمين أو كافرين.
فصل واختلف في هذه الآية علماء الناسخ والمنسوخ، فذهب بعض القائلين بأنها في المشركين إلى أنها منسوخة بآية السيف، فكأنهم يشيرون إلى أنها أثبتت الانتصار بعد بغي المشركين، فلما جاز لنا أن نبدأهم بالقتال، دل على أنها منسوخة. وللقائلين بأنها في المسلمين قولان:
أحدهما: أنها منسوخة بقوله: (ولمن صبر وغفر) فكأنها نبهت على مدح المنتصر، ثم أعلمنا أن الصبر والغفران أمدح، فبان وجه النسخ.
والثاني: أنها محكمة، لأن الصبر والغفران فضيلة، والانتصار مباح، فعلى هذا تكون محكمة، وهو الأصح.
فإن قيل: كيف الجمع بين هذه الآية - وظاهرها مدح المنتصر - وبين آيات الحث على العفو؟
فعنه ثلاثة أجوبة.
أحدها أنه انتصار المسلمين من الكافرين، وتلك رتبة الجهاد كما ذكرنا عن عطاء.
والثاني: أن المنتصر لم يخرج عن فعل أبيح له، وإن كان العفو أفضل، ومن لم يخرج من الشرع بفعله، حسن مدحه. قال ابن زيد: جعل الله المؤمنين صنفين! صنف يعفو، فبدأ بذكره، وصنف ينتصر.
والثالث: أنه إذا بغي على المؤمن فاسق، فلأن له اجتراء الفساق عليه، وليس للمؤمن أن يذل نفسه، فينبغي له أن يكسر شوكة العصاة لتكون العزة لأهل الدين. قال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون للمؤمنين أن يذلوا أنفسهم فيجترئ عليهم الفساق، فإذا قدروا عفوا، وقال القاضي أبو يعلى:
هذه الآية محمولة على من تعدى وأصر على ذلك، وآيات العفو محمولة على أن يكون الجاني نادما.
قوله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) قال مجاهد والسدي: هو جواب القبيح، إذا قال له كلمة إجابة بمثلها من غير أن يعتدي. وقال مقاتل: هذا في القصاص في الجراحات والدماء.