على أول السورة، فالمعنى: كذلك نوحي إليك وإلى الذين من قبلك.
(وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا) قال ابن عباس: هو القرآن وقال مقاتل: وحيا بأمرنا.
قوله تعالى: (ما كنت تدري ما الكتاب) وذلك أنه لم يكن يعرف القرآن قبل الوحي (ولا الإيمان) فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه بمعنى الدعوة إلى الإيمان، قاله أبو العالية.
والثاني: أن المراد به: شرائع الإيمان ومعالمه، وهي كلها إيمان، وقد سمى الصلاة إيمانا بقوله: (وما كان الله ليضيع إيمانكم) هذا اختيار ابن قتيبة، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة.
والثالث: أنه ما كان يعرف الإيمان حين كان في المهد وإذ كان طفلا قبل البلوغ، حكاه الواحدي. والقول ما اختاره ابن قتيبة، وابن خزيمة، وقد اشتهر في الحديث عنه عليه السلام أنه كان قبل النبوة يوحد الله، ويبغض اللات والعزى، ويحج ويعتمر، ويتبع شريعة إبراهيم عليه السلام، قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على دين قومه، فهو قول سوء أليس كان لا يأكل ما ذبح على النصب؟ وقال ابن قتيبة: قد جاء في الحديث أنه كان على دين قومه أربعين سنة. ومعناه: أن العرب لم يزالوا على بقايا من دين إسماعيل، من ذلك حج البيت، والختان، وإيقاع الطلاق إذا كان ثلاثا، وأن للزوج الرجعة في الواحدة والاثنتين، ودية النفس مائة من الإبل، والغسل من الجنابة، وتحريم ذوات المحارم بالقرابة والصهر، وكان عليه الصلاة والسلام على ما كانوا عليه من الإيمان بالله والعمل بشرائعهم في الختان والغسل والحج، وكان لا يقرب الأوثان، ويعيبها. وكان لا يعرف شرائع الله التي شرعها لعباده على لسانه، فذلك قوله: " ما كنت تدري ما الكتاب " يعني القرآن " ولا الإيمان " يعني شرائع الإيمان، ولم يرد الإيمان الذي هو الإقرار بالله، لأن آباءه الذين ماتوا على الشرك كانوا يؤمنون بالله ويحجون له البيت مع شركهم.
قوله تعالى: (ولكن جعلناه) في هاء الكناية قولان:
أحدهما: أنها ترجع إلى القرآن.
والثاني: إلى الإيمان.
(نورا) أي: ضياء ودليلا على التوحيد (نهدي به من نشاء) من عبادنا إلى دين الحق (وإنك لتهدي) أي: لتدعو (إلى صراط مستقيم) وهو الإسلام.