والثاني: أنه لما قدم المدينة كانت تنوبه نوائب وليس في يده سعة، فقال الأنصار: إن هذا الرجل قد هداكم الله به، وليس في يده سعة، فاجمعوا له من أموالكم مالا يضركم، ففعلوا ثم أتوه به، فنزلت هذه الآية، وهذا مروي عن ابن عباس أيضا.
والثالث: أن المشركين اجتمعوا في مجمع لهم، فقال بعضهم لبعض: أترون محمدا يسأل على ما يتعاطاه أجرا، فنزلت هذه الآية، قاله قتادة.
والهاء في " عليه " كناية عما جاء به من الهدى. وفي الاستثناء هاهنا قولان:
أحدهما: أنه من الجنس، فعلى هذا يكون سائلا أجرا. وقد أشار ابن عباس في رواية الضحاك إلى هذا المعنى، ثم قال: نسخت هذه بقوله: (قل ما سألتكم من أجر فهو لكم...) الآية، وإلى هذا المعنى ذهب مقاتل.
والثاني: أنه استثناء من غير الأول، لأن الأنبياء لا يسألون على تبليغهم أجرا وإنما المعنى:
لكني أذكركم المودة في القربى، وقد روى هذا المعنى جماعة عن ابن عباس، منهم العوفي، وهذا اختيار المحققين، وهو الصحيح، فلا يتوجه النسخ أصلا. وفي المراد بالقربى خمسة أقوال:
أحدها: أن معنى الكلام: إلا أن تودوني لقرابتي منكم، قاله ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد في الأكثرين. قال ابن عباس: ولم يكن بطن من بطون قريش إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة.
والثاني: إلا أن تودوا قرابتي، قاله علي بن الحسين، وسعيد بن جبير، والسدي. ثم في المراد بقرابته قولان: أحدهما: علي وفاطمة وولدها، وقد رووه مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والثاني: أنهم الذين تحرم عليهم الصدقة ويقسم فيهم الخمس، وهم بنو هاشم وبنو المطلب.
والثالث: أن المعنى: إلا أن توددوا إلى الله تعالى فيما يقربكم إليه من العمل الصالح، قاله الحسن، وقتادة.
والرابع: إلا أن تودوني، كما تودون قرابتكم، قاله ابن زيد.
والخامس: إلا أن تودوا قرابتكم وتصلوا أرحامكم، حكاه الماوردي. والأول: أصح.
قوله تعالى: (ومن يقترف) أي: من يكتسب (حسنة نزد له فيها حسنا) أي: نضاعفها بالواحدة عشرا فصاعدا. وقرأ ابن السميفع، وابن يعمر، والجحدري: " يزد له " بالياء (إن الله غفور) للذنوب (شكور) للقليل حتى يضاعفه.