وربما جاءت الصفة فأرادوا توكيدها، واستوحشوا من إعادتها ثانية لأنها كلمة واحدة، فغيروا منها حرفا ثم أتبعوها الأولى، كقولهم، عطشان نطشان، وشيطان ليطان، وحسن بسن. قال ابن دريد: ومن الاتباع: جائع نائع، ومليح قريح، وقبيح شقيح، وشحيح نحيح، وخبيث نبيث، وكثير نثير: وسيغ ليغ، وسائغ لائغ، وحقير نقير، وضئيل بئيل، وخضر مضر، وعفريت نقريب، وثقة نقة، وكن إن، وواحد فاحد، وحائر بائر، وسمج لمج. قال ابن قتيبة: فلما عدد الله تعالى في هذه السورة نعماءه، وأذكر عباده آلاءه، ونبههم على قدرته، جعل كل كلمة من ذلك فاصلة بين كل نعمتين، ليفهمهم النعم ويقررهم بها، كقولك للرجل: ألم أبوئك منزلا وكنت طريدا؟ أفتنكر هذا؟ ألم أحج بك وأنت صرورة؟ أفتنكر هذا؟. وروى الحاكم أبو عبد الله في " صحيحه " من حديث جابر بن عبد الله قال: قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الرحمن حتى ختمها قال: " مالي أراكم سكوتا؟! للجن كانوا أحسن منكم ردا، ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة (فبأي آلاء ربكما تكذبان) إلا قالوا: ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد ".
قوله [عز وجل]: (رب المشرقين) قرأ أبو رجاء، وابن أبي عبلة: " رب المشرقين ورب المغربين " بالخفض، وهما مشرق الصيف ومشرق الشتاء ومغرب الصيف ومغرب الشتاء [للشمس والقمر جميعا].
قوله [تعالى]: (مرج البحرين) أي: أرسل العذب والملح وخلاهما وجعلهما (يلتقيان)، (بينهما برزخ) أي: حاجز من قدرة الله تعالى (لا يبغيان) أي: لا يختلطان.
فيبغي أحدهما على الآخر. وقال ابن عباس: بحر السماء وبحر الأرض يلتقيان كل عام. وقال الحسين: " مرج البحرين " يعني بحر فارس والروم، بينهما برزخ، يعني الجزائر، وقد سبق بيان هذا في الفرقان.