يحجبه شيء. والمعنى: ونحن أقرب إليه حين يتلقى المتلقيان، وهما الملكان الموكلان بابن آدم يتلقيان عمله. وقوله: (إذ يتلقى المتلقيان) أي: يأخذان ذلك ويثبتانه (عن اليمين) كاتب الحسنات (وعن الشمال) كاتب السيئات. قال الزجاج: والمعنى: عن اليمين قعيد، وعن الشمال قعيد، فدل أحدهما على الآخر، فحذف المدلول عليه، قال الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما عندك * راض والرأي مختلف وقال آخر:
رماني بأمر كنت منه ووالدي * بريئا، ومن أجل الطوي رماني المعنى: كنت منه بريئا. وقال ابن قتيبة: القعيد بمعنى قاعد، كما يقال: " قدير " بمعنى " قادر "، ويكون القعيد بمعنى مقاعد، كالأكيل والشريب بمنزلة: المؤاكل والمشارب.
قوله تعالى: (ما يلفظ) يعني الانسان، أي: ما يتكلم من كلام فيلفظه، أي: يرميه من فمه، (إلا لديه رقيب) أي: حافظ، وهو الملك الموكل به، إما صاحب اليمين، وإما صاحب الشمال (عتيد) قال الزجاج: العتيد: الثابت اللازم. وقال غيره: العتيد: الحاضر معه أينما كان. وروى أبو أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كاتب الحسنات على يمين الرجل، وكاتب السيئات على يساره، فكاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات، فإذا عمل حسنة كتبها له صاحب اليمين عشرا، وإذا عمل سيئة، وأراد صاحب الشمال أن يكتبها، قال صاحب اليمين: أمسك، فيمسك عنه سبع ساعات، فإن استغفر منها لم يكتب عليه شيء، وإن لم يستغفر كتب عليه سيئة واحدة ". وقال ابن عباس: جعل الله على ابن آدم حافظين في الليل، وحافظين في النهار.
واختلوا هل يكتبان جميع أفعاله وأقواله على قولين:
أحدهما: أنهما يكتبان عليه كل شيء حتى أنينه في مرضه، قاله مجاهد:
والثاني: أنهما لا يكتبان إلا ما يؤجر عليه، أو يوزر، قاله عكرمة. فأما مجلسهما، فقد نطق القرآن بأنهما عن اليمين وعن الشمال، وكذلك ذكرنا في حديث أبي أمامة. وقد روى علي كرم الله وجهه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن مقعد ملكيك على ثنيتيك، ولسانك قلمهما، وريقك مدادهما، وأنت تجري فيما لا يعنيك " وروي عن الحسن والضحاك قالا: مجلسهما تحت الشعر على الحنك.
قوله تعالى: (وجاءت سكرة الموت) وهي غمرته وشدته التي تغشى الإنسان وتغلب على عقلة وتدله على أنه ميت (بالحق) وفيه وجهان:
أحدهما: أن معناه: جاءت بحقيقة الموت.