ورد الأمر بذلك في مواضع من القرآن مصرحا وهو قوله تعالى: (اقرأ باسم ربك) فأمر في افتتاح القراءة بالتسمية كما أمر أمام القراءة بتقديم الاستعاذة. وهو إذا كان خبرا فإنه يتضمن معنى الأمر، لأنه لما كان معلوما أنه خبر من الله بأنه يبدأ باسم الله ففيه أمر لنا بالابتداء به والتبرك بافتتاحه لأنه إنما أخبرنا به لنفعل مثله، ولا يبعد أن يكون الضمير لهما جميعا، فيكون الخبر والأمر جميعا مرادين، لاحتمال اللفظ لهما. فإن قال قائل: لو صرح بذكر الخبر لم يجز أن يريد به المعنيين جميعا من الأمر والخبر، كذلك يجب أن يكون حكم الضمير في انتفاء إرادة الأمرين، قيل له: إذا أظهر صيغة الخبر امتنع أن يريدهما لاستحالة كون لفظ واحد أمرا وخبرا في حال واحد، لأنه متى أراد بالخبر الأمر كان اللفظ مجازا، وإذا أراد به حقيقة الخبر كان حقيقة، وغير جائز أن يكون اللفظ الواحد مجازا حقيقة، لأن الحقيقة هي اللفظ المستعمل في موضعه، والمجاز ما عدل به عن موضعه إلى غيره، ويستحيل كونه مستعملا في موضعه ومعدولا ثم به عنه في حال واحد، فلذلك امتنع إرادة الخبر والأمر بلفظ واحد.
وأما الضمير فغير مذكور، وإنما هو متعلق بالإرادة. ولا يستحيل إرادتهما معا عند احتمال اللفظ لإضمار كل واحد منهما، فيكون معناه حينئذ: ابدأ بسم الله على معنى الخبر، وابدأوا أنتم رسول أيضا به اقتداء بفعلي وتبركا به. غير أن جواز إرادتهما لا يوجب عند الإطلاق إثباتهما ولا إلا بدلالة، إذ ليس هو عموم لفظ مستعمل على مقتضاه وموجبه، وإنما الذي يلزم حكم اللفظ إثبات ضمير محتمل لكل واحد من الوجهين، وتعيينه في أحدهما موقوف على الدلالة. كذلك قولنا في نظائره نحو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) لأن الحكم لما تعلق بضمير يحتمل رفع الحكم رأسا ويحتمل المأثم لم يمتنع إرادة الأمرين بأن لا يلزمه شئ، ولا مأثم عليه عند الله لاحتمال اللفظ لهما وجواز إرادتهما، إلا أنه مع ذلك ليس بعموم لفظ فينتظمهما، فاحتجنا في إثبات المراد إلى دلالة من غيره، وليس يمتنع قيام الدلالة على إرادة أحدهما بعينه أو إرادتهما جميعا.
وقد يجئ من الضمير المحتمل لأمرين ما لا يصح إرادتهما معا، نحو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما الأعمال بالنيات). معلوم أن حكمه متعلق بضمير يحتمل جواز العمل ويحتمل أفضليته. (1) فمتى أراد الجواز امتنعت إرادة الأفضلية، لأن إرادة الجواز تنفي ثبوت حكمه مع عدم النية، وإرادة الأفضلية تقتضي إثبات حكم شئ منه لا محالة مع إثبات النقصان فيه ونفي الأفضلية، ويستحيل أن يريد نفي الأصل ونفي الكمال الموجب