أبي طالب كرم الله وجهه: (لو أن الناس أصابوا حد الطلاق ما ندم رجل طلق امرأته).
فإن قيل: لما كان عاصيا في إيقاع الثلاث معا لم يقع، إذ ليس هو الطلاق المأمور به، كما لو وكل رجل رجلا بأن يطلق امرأته ثلاثا في ثلاثة أطهار لم يقع إذا جمعهن في طهر واحد. قيل له: أما كونه عاصيا في الطلاق فغير مانع صحة وقوعه لما دللنا عليه فيما سلف، ومع ذلك فإن الله جعل الظهار منكرا من القول وزورا وحكم مع ذلك بصحة وقوعه، فكونه عاصيا لا يمنع لزوم حكمه، والإنسان عاص لله في ردته عن الاسلام ولم يمنع عصيانه من لزوم حكمه وفراق امرأته، وقد نهاه الله عن مراجعتها ضرارا بقوله تعالى: (ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا) فلو راجعها وهو يريد ضرارها لثبت حكمها وصحت رجعته. وأما الفرق بينه وبين الوكيل، فهو أن الوكيل إنما يطلق لغيره وعنه يعبر، وليس يطلق لنفسه ولا يملك ما يوقعه، ألا ترى أنه لا يتعلق به شئ من حقوق الطلاق وأحكامه؟ فلما لم يكن مالكا لما يوقعه وإنما يصح إيقاعه لغيره من جهة الأمر إذ كانت أحكامه تتعلق بالأمر دونه، لم يقع متى خالف الأمر، وأما الزوج فهو مالك الطلاق وبه تتعلق أحكامه وليس يوقع لغيره، فوجب أن يقع من حيث كان مالكا للثلاث، وارتكاب النهي في طلاقه غير مانع وقوعه كما وصفنا في الظهار والرجعة والردة وسائر ما يكون به عاصيا، ألا ترى أنه لو وطئ أم امرأته بشبهة حرمت عليه امرأته؟ وهذا المعنى الذي ذكرناه من حكم الزوج في ملكه للثلاث من الوجوه التي ذكرنا يدل على أنه إذا أوقعهن معا وقع، إذ هو موقع لما ملك. ويدل عليه من جهة السنة حديث ابن عمر الذي ذكرنا سنده حين قال: أرأيت لو طلقتها ثلاثا أكان لي أن أراجعها؟ فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: (لا، كانت تبين ويكون معصية) وحدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا سليمان بن داود قال: حدثنا جرير بن حازم، عن الزبير بن سعيد، عن عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة، عن أبيه، عن جده، أنه طلق امرأته البتة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ما أردت بالبتة؟) قال: واحدة، قال: (الله؟) قال: الله! قال: (هو على ما أردت) فلو لم تقع الثلاث إذا أراها لما استحلفه بالله ما أراد إلا واحدة. وقد تقدم ذكر أقاويل السلف فيه، وأنه يقع وهو معصية فالكتاب والسنة وإجماع السلف توجب إيقاع الثلاث معا وإن كانت معصية.
وذكر بشر بن الوليد عن أبي يوسف أنه قال: كان الحجاج بن أرطاة خشنا، وكان يقول: طلاق الثلاث ليس بشئ. وقال محمد بن إسحاق: الطلاق الثلاث ترد إلى الواحدة، واحتج بما رواه عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: طلق ركانة بن عبد يزيد امرأته ثلاثا في مجلس واحد، فحزن عليها حزنا شديدا، فسأله رسول