أخبرني سالم بن عبد الله عن أبيه: أنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: (مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلقها طاهرا قبل أن يمس فذلك الطلاق للعدة كما أمر الله). فذكر سالم في رواية الزهري عنه ونافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها ثم يدعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلق أو أمسك. وروي عن عطاء الخراساني عن الحسن عن ابن عمر مثله. وروى يونس وأنس بن سيرين وسعيد بن جبير وزيد بن أسلم عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها حتى تطهر، ثم قال: (إن شاء طلق وإن شاء أمسك)، والأخبار الأول لما فيها من الزيادة. ومعلوم أن جميع ذلك إنما ورد في قصة واحدة، وإنما ساق بعضهم لفظ النبي صلى الله عليه وسلم على وجهه وحذف بعضهم ذكر الزيادة إغفالا أو نسيانا، فوجب استعماله بما فيه من زيادة ذكر الحيضة، إذ لم يثبت أن الشارع صلى الله عليه وسلم قال ذلك عاريا من ذكر الزيادة وذكره مرة مقرونا بها إذ كان فيه إثبات القول منه في حالين، وهذا مما لا نعلمه، فغير جائز إثباته وعلى أنه لو كان الشارع صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك في حالين، لم يخل من أن يكون المتقدم منهما هو الخبر الذي فيه الزيادة والآخر متأخرا عنه فيكون ناسخا له، وأن يكون الذي لا زيادة فيه هو المتقدم، ثم ورد بعده ذكر الزيادة فيكون ناسخا للأول بإثبات الزيادة، ولا سبيل لنا إلى العلم بتاريخ الخبرين، لا سيما وقد أشار الجميع من الرواة إلى قصة واحدة، فإذا لم يعلم التاريخ وجب إثبات الزيادة من وجهين: أحدهما أن كل شيئين لا يعلم تاريخهما فالواجب الحكم بهما معا ولا يحكم بتقدم أحدهما على الآخر، كالغرقى والقوم يقع عليهم البيت، وكما نقول في البيعين من قبل رجل واحد: (إذا قامت عليهما البينة ولم يعلم تاريخهما فيحكم بوقوعهما معا) فكذلك هذان الخبران وجب الحكم بهما معا، إذ لم يثبت لهما تاريخ، فلم يثبت الحكم إلا مقرونا بالزيادة المذكورة فيه. والوجه الآخر: أنه قد ثبت أن الشارع قد ذكر الزيادة وأثبتها وأمر باعتبارها بقوله: (مره فليدعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم يطلقها إن شاء) لورودها من طرق صحيحة، فإذا كانت ثابتة في وقت واحتمل أن تكون منسوخة بالخبر الذي فيه حذف الزيادة واحتمل أن تكون غير منسوخة، لم يجز لنا إثبات النسخ بالاحتمال ووجب بقاء حكم الزيادة، ولما ثبت ذلك وأمر الشارع صلى الله عليه وسلم بالفصل بين التطليقة الموقعة في الحيض وبين الأخرى التي أمره بإيقاعها بحيضة ولم يبح له إيقاعها في الطهر الذي يلي الحيضة، ثبت إيجاب الفصل بين كل تطليقتين بحيضة وأنه غير جائز له الجمع بينهما في طهر واحد، لأنه صلى الله عليه وسلم كما أمره بإيقاعها في الطهر ونهاه عنها في الحيض فقد أمره أيضا بأن لا يواقعها في الطهر الذي يلي الحيضة التي طلقها فيه، ولا فرق بينهما.
(٤٦١)