الآفاق إنما هو تخفيف من الله تعالى وإزالة المشقة عنهم في إنشاء سفر لكل واحد منهما وأباح لهم الاقتصار على سفر واحد في جميعها جميعا، إذ لو منعوا عند ذلك لأدى ذلك إلى مشقة وضرر، وأهل مكة لا مشقة عليهم ولا ضرر في فعل العمرة في غير أشهر الحج.
ويدل عليه أن اسم التمتع يقتضي الاتفاق بالجمع بينهما وإسقاط تجديد سفر العمرة على ما روي من تأويله عمن قدمنا قوله، وهو مشبه لمن أوجب على نفسه المشي إلى بيت الله الحرام، فإذا ركب لزمه دم لارتفاقه بالركوب، غير أن هذا الدم لا يؤكل منه ودم المتعة يؤكل منه، فاختلافهما من هذا الوجه لا يمنع اتفاقهما من الوجه الذي ذكرنا. وقد حكي عن طاوس أنه قال: (ليس على أهل مكة متعة فإن فعلوا وحجوا فعليهم ما على الناس) وجائز أن يريد به أن عليهم الهدي ويكون هدي جناية لا نسكا. واتفق أهل العلم السلف منهم والخلف أنه إنما يكون متمتعا بأن يعتمر في أشهر الحج ويحج من عامه ذلك، ولو أنه اعتمر في هذه السنة ولم يحج فيها وحج في عام قابل أنه غير متمتع ولا هدي عليه.
واختلف أهل العلم فيمن اعتمر في أشهر الحج ثم رجع إلى أهله وعاد فحج من عامه، فقال أكثرهم: إنه ليس بمتمتع، منهم سعيد بن المسيب وعطاء وطاوس ومجاهد وإبراهيم والحسن في إحدى الروايتين، وهو قول أصحابنا وعامة الفقهاء. وروى أشعث عن الحسن أنه قال: (من اعتمر في أشهر الحج ثم حج من عامه فهو متمتع رجع أو لم يرجع). ويدل على صحة القول الأول أن الله تعالى خص أهل مكة بأن لم يجعل لهم متعة وجعلها لسائر أهل الآفاق، وكان المعنى فيه إلمامهم بأهاليهم بعد العمرة مع جواز الإحلال منها، وذلك موجود فيمن رجع إلى أهله لأنه قد حصل له إلمام بأهله بعد العمرة فكان بمنزلة أهل مكة. وأيضا فإن الله جعل على المتمتع الدم بدلا من أحد السفرين اللذين اقتصر على أحدهما، فإذا فعلهما جميعا لم يكن الدم قائما مقام شئ، فلا يجب.
واختلفوا أيضا فيمن لم يرجع إلى أهله وخرج من مكة حتى جاوز الميقات، فقال أبو حنيفة: (هو متمتع إن حج من عامه ذلك، لأنه إذا لم يحصل له إلمام بأهله بعد العمرة فهو بمنزلة كونه بمكة). وروي عن أبي يوسف (أنه ليس بمتمتع، لأن ميقاته الآن في الحج ميقات أهل بلده، لأن الميقات قد صار بينه وبين أهل مكة فصار بمنزلة عوده إلى أهله). والصحيح هو الأول لما بينا.
واختلف أهل العلم فيمن ينشئ العمرة في رمضان ويدخل مكة في شوال أو قبله، فروى قتادة عن ابن عياض قال: (عمرته في الشهر الذي يهل فيه). وقال الحسن