ينفيه ظاهر الآية، وهو أنه إذا ان الولي هو العافي بترك القود وأخذ المال فإنه لا يقال له (عفا له) وإنما يقال له (عفا عنه) فيتعسف له فيقيم (اللام) مقام (عن) أو يحمله على أنه (عفا له عن الدم) فيضمر حرفا غير مذكور، ونحن متى استغنينا بالمذكور عن المحذوف لم يجز لنا إثبات الحذف. وعلى أن تأويلنا هو سائغ مستعمل على ظاهره من غير إثبات ضمير فيه، وهو أن يحمل على معنى التسهيل من جهة القاتل بإعطائه المال، ومن جهة أخرى يخالف ظاهرها هو أن قوله: (من أخيه شئ) فقوله (من) تقتضي التبعيض، لأن ذلك حقيقتها وبابها إلا أن تقوم الدلالة على غيره، فيوجب هذا أن يكون العفو عن بعض دم أخيه، وعند المخالف هو عفو عن جميع الدم وتركه إلى الدية، وفيه اسقاط حكم (من) ومن وجه آخر وهو قوله (شئ) وهذا أيضا يوجب العفو عن شئ من الدم لا عن جميعه، فمن حمله على الجميع لم يوف الكلام حظه من مقتضاه وموجبه، لأنه يجعله بمنزلة ما لو قال: فمن عفي له عن الدم وطولب بالدية، فأسقط حكم قوله (من) وقوله (شئ) وغير جائز لأحد تأويل الآية على وجه يؤدي إلى إلغاء شئ من لفظها ما أمكن استعماله على حقيقته. ومتى استعمل على ما ذكرنا كان موافقا لظاهر الآية من غير اسقاط منه، لأنه إن كان التأويل ما ذكره الشعبي من نزولها على السبب وما فضل من بعضهم على بعض من الديات، فهو موافق للفظ الآية لأنه عفي له من أخيه بمعنى أنه فضل له شئ من المال فيه التقاضي، وذلك بعض من جملة وشئ منها، فتناوله اللفظ على حقيقته. وإن كان التأويل أنه إن سهل له بإعطاء شئ من المال فالولي مندوب إلى قبوله موعود بالثواب عليه، فذلك قد يتناول أيضا للبعض بأن يبذل بعض الدية، وذلك جزء من كل مما أتلفه. وإن كان التأويل الإخبار بنسخ ما كان على بني إسرائيل من إيجاب حكم القود ومنع أخذ البدل، فتأويلنا أيضا على هذا الوجه أشد ملاءمة لمعنى الآية، لأنا نقول إن الآية اقتضت جواز الصلح منهما على ما يقع الاصطلاح عليه من قليل أو كثير، فذكر البعض وأفاد به حكم الكل أيضا كقوله تعالى: (تقل لهما أف ولا تنهرهما) [الإسراء: 23] نص على هذا القول بعينه وأراد به ما فوقه، في نظائر لذلك في القرآن وإن كان التأويل عفو بعض الأولياء عن نصيبه، فهو أيضا يواطئ ظاهر الآية لوقوع العفو عن البعض دون الجميع. فعلى أي وجه يصرف تأويل المتأولين ممن قدمنا قوله فتأويله موافق لظاهر الآية غير تأويل من تأوله على أن للولي العفو عن الجميع وأخذ المال. وليس يمتنع أن يكون جميع المعاني التي قدمنا ذكرها عن متأوليها مرادة بالآية، فيكون نزولها على سبب نسخ بها ما كان على بني إسرائيل وأبيح لنا أخذ قليل المال وكثيره، ويكون الولي مندوبا إلى القبول إذا تسهل له القاتل بإعطاء المال وموعودا عليه بالثواب، ويكون السبب الذي نزلت عليه الآية حصول الفضل من بعض على بعض في
(١٨٦)