مولاه في حياته وبعد وفاته، لأن العبد لا يملك شيئا وما يملكه فهو لمولاه لا من جهة الميراث لكن من جهة الملك، فإذا كان هو الولي لم يثبت له القصاص على نفسه وليس هو بمنزلة من قتل وارثه فيجب عليه القصاص، ولا يرثه لأن ما يحصل للوارث إنما ينتقل عن ملك المورث إليه، والقاتل لا يرث فوجب عليه القصاص لغيره، والعبد لا يملك شيئا فينتقل إلى مولاه، ألا ترى أنه لو قتل ابن العبد لم يثبت له القصاص على قاتله لأنه لا يملك؟ فكذلك لا يثبت له القصاص على غيره. ومتى وجب له القود على قاتله فإنما يستحقه مولاه دونه، فلم يجز من أجل ذلك إيجاب القصاص على مولاه بقتله إياه. ويدل على أن العبد لا يثبت له ذلك قوله تعالى: (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ) [النحل: 75] فنفى بذلك ملك العبد نفيا عاما عن كل شئ، فلم يجز أن يثبت له بذلك على أحد شئ. وإذا لم يجز أن يثبت له ذلك لأجل أنه ملك لغيره، والمولى إذا استحق ما يجب له فلا يجب له القود على نفسه، وليس العبد في هذا كالحر لأن الحر يثبت له القصاص ثم من جهته ينتقل إلى وارثه ولذلك يستحقونه بينهم على قدر مواريثهم، فمن حرم ميراثه بالقتل لم يرثه القود فكان القود لمن يرثه.
فإن قيل: ليس دم العبد في هذا الوجه كماله، لأن المولى لا يملك قتله ولا الإقرار عليه بالقتل فهو بمنزلة الأجنبي فيه. قيل له: إن كان المولى لا يملك قتله ولا الإقرار عليه به، ولكنه وليه وهو المستحق للقصاص على قاتله إذا كان أجنبيا، من حيث كان مالكا لرقبته لا من جهة الميراث، ألا ترى أنه المستحق للقود على قاتله دون أقربائه؟
فدل ذلك على أنه يملك القود به كما يملك رقبته. فإذا كان هو القاتل لم يجز أن يستحق القود غيره عليه، فاستحال من أجل ذلك وجوب القود له على نفسه. وأيضا فقوله:
(فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه) [البقرة: 194] لا يجوز أن يكون خطابا للمولى إذا كان هو المعتدي بقتل عبده، لأنه وإن كان معتديا على نفسه بقتل عبده وإتلاف ملكه فغير جائز خطابه باستيفاء القود من نفسه وغير جائز أن يكون غيره مخاطبا باستيفاء القود منه، لأنه غير معتد عليه، والله تعالى إنما أوجب الحق لمن اعتدي عليه دون غيره.
فإن قال قائل: يقيد الإمام منه كما يقيد ممن قتل رجلا لا وارث له. قيل له: إنما يقوم الإمام بما ثبت من القود لكافة المسلمين إذا كانوا مستحقين لميراثه، والعبد لا يورث فيثبت الحق في الاقتصاص من قاتله لكافة المسلمين، ولا جائز أن يثبت ذلك للإمام، ألا ترى أنه لو قتل العبد خطأ كان المولى هو المستحق لقيمته على قاتله دون سائر المسلمين ودون الإمام، وأن الحر الذي لا وارث له لو قتل خطأ كانت ديته لبيت المال؟ فكذلك القود لو ثبت على المولى لما استحقه الإمام ولكان المولى هو الذي