حبيب بن أبي ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن عكيم قال: (كتب إلينا عمر بن الخطاب أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب) فذكر في هذا الحديث أن عمر كتب إليهم بذلك، فلا يجوز معارضة الأخبار التي قدمنا بمثله. ومن جهة أخرى أنهما لو تساويا في النقل لكان خبر الإباحة أولى لاستعمال الناس له وتلقيهم إياه بالقبول. ووجه آخر: وهو أن خبر عبيد الله بن عكيم لو انفرد عن معارضة الأخبار التي قدمنا لم يكن فيه ما يوجب تحريم الجلد بعد الدباغ، لأنه قال: (لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب) وهو إنما يسمى إهابا قبل الدباغ، والمدبوغ لا يسمى إهابا وإنما يسمى أديما، فليس إذا في هذا الخبر ما يوجب تحريمه بعد الدباغ.
وأما قول الليث بن سعد في إباحة بيع جلد الميتة قبل الدباغ فقول خارج عن اتفاق الفقهاء لم يتابعه عليه أحد، ومع ذلك هو مخالف لقوله عليه السلام: (لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب) لأنه قبل الدباغ يسمى إهابا، والبيع من وجوه الانتفاع، فوجب أن يكون محظورا بقوله (لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب).
قال أبو بكر: فإن قال قائل: قوله عليه السلام: (إنما حرم من الميتة أكلها) يدل على أن التحريم مقصور على الأكل دون البيع! قيل له: فينبغي أن تجيز بيع لحمها بقوله:
(إنما حرم أكلها) فإذا لم يجز بيع اللحم مع قوله: (إنما حرم أكلها) كذلك حكم الجلد قبل الدباغ.
فإن قال قائل: منعت بيع اللحم بقوله: (إنما حرم أكلها)، قيل له: وأمنع بيع الجلد بقوله: (حرمت عليكم الميتة) [المائدة: 3] لأنه لم يفرق بين الجلد واللحم وإنما خص من جملته المدبوغ منه دون غيره. وأيضا فروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعن الله اليهود! حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها) وإذا كان الجلد محرم الأكل قبل الدباغ كتحريم اللحم، وجب أن لا يجوز بيعه كبيع اللحم نفسه وكبيع سائر المحرمات لأعيانها كالخمر والدم ونحوهما.
وأما جلد الكلب فيلحقه الدباغ ويطهر إذا كان ميتة، لقوله عليه السلام: (أيما إهاب دبغ فقد طهر) وقال: (دباغ الأديم ذكاته) ولم يفرق بين الكلب وغيره، ولأنه تلحقه الذكاة عندنا لو ذبح لكان طاهرا، فإن قيل: إذا كان نجسا في حال الحياة كيف يطهر بالدباغ؟ قيل له: كما يكون جلد الميتة نجسا ويطهره الدباغ، لأن الدباع ذكاته كالذبح.
وأما الخنزير فلا تلحقه الذكاة لأنه محرم العين بمنزلة الخمر والدم فلا تعمل فيه