جنينا إلا في حال كونه في بطن أمه، ومتى باينها لا يسمى جنينا، والنبي عليه السلام إنما أثبت له الذكاة في حال اتصاله بالأم، وذلك يوجب أن يكون مذكى بتلك الحال في ذكاتها! قيل له: الجواب عن هذا من وجهين، أحدهما: أنه جائز أن يسمى بعد الانفصال جنينا لقرب عهده من الاجتنان في بطن أمه، ولا يمتنع أحد من إطلاق القول بأن الجنين لو خرج حيا ذكي كما تذكى الأم فيطلق عليه اسم الجنين بعد الذكاة والانفصال. وقال حمل بن مالك: (كنت بين جاريتين لي فضربت إحداهما الأخرى بعمود فسطاط فألقت جنينا ميتا، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بغرة عبد أو أمة) فسماه جنينا بعد الإلقاء.. وإذا كان ذلك كذلك جاز أن يكون مراد النبي عليه السلام: (ذكاة الجنين ذكاة أمه) أنه يذكى كما تذكى أمه إذا ألقته حيا. والوجه الآخر: أنه لو كان مراده كونه مذكى وهو جنين لوجب أن يكون مذكى بذكاة الأم وإن خرج حيا وأن موته بعد خروجه لا يكسبه حكم الميتات كموته في بطن أمه، فلما اتفق الجميع على أن خروجه حيا يمنع أن يكون ذكاة الأم ذكاته ثبت أنه لم يرد إثبات ذكاة الأم له في حال اتصاله بالأم.
فإن قال قائل: إنما أراد إثبات الحكم بحال خروجه ميتا! قيل له: هذه دعواك لم يذكرها النبي صلى الله عليه وسلم فإن جاز أن تشترط فيه موته في حال كونه جنينا وإن لم يذكره النبي عليه السلام جاز لنا أن نشترط إيجاب ذكاته خرج حيا أو ميتا، فمتى لم يوجد له ذكاة في نفسه لم يجز أكله. وعلى أنا متى شرطنا إيجاب ذكاته في نفسه غير معتبر بأمه استعملنا الخبر على عمومه فجعلنا إباحة الأكل معلقة بوجود الذكاة فيه في حال كونه جنينا وبعد خروجه، وحمل الخبر على ذلك أولى من الاقتصار به على ما ذكرت وإثبات ضمير فيه لا ذكر له في الخبر ولا دلالة عليه.
فإن قال قائل: حمل الخبر على ما ذكرت في إيجاب ذكاته إذا خرج يسقط فائدته، لأن ذلك معلوم قبل وروده! قيل له: ليس كذلك، من قبل أنه أفاد أنه إن خرج حيا فقد وجبت ذكاته سواء مات في حال لم يقدر على ذكاته أو بقي، وبطل بذلك قول من يقول إنه إن مات في وقت لا يقدر على ذكاته كان مذكى بذكاة الأم. ومن جهة أخرى أنه حكم بإيجاب ذكاته وأنه إن خرج ميتا لم يؤكل إذ هو غير مذكى، فإن خرج حيا ذكي، فأفاد أنه ميتة لا تؤكل، وبطل به قول من يقول إنه لا يحتاج إلى ذكاة إذا خرج ميتا.
فإن احتج محتج بما ذكره زكريا بن يحيى الساجي عن بندار وإبراهيم بن محمد التيمي قالا: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الجنين يخرج ميتا فقال: (إن شئتم فكلوه فإن ذكاته ذكاة أمه)، قيل له: قد روى هذا الحديث جماعة من الثقات عن يحيى بن سعيد، ولم يذكروا فيه أنه