جائز أن يراد به الجد لأنه مجاز ولا يتناول الإطلاق للحقيقة والمجاز في لفظ واحد.
قال أبو بكر: فأما دفع الاحتجاج بعموم لفظ الأب في إثبات الجد أبا من حيث سمي العم أبا في الآية مع اتفاق الجميع على أنه لا يقوم مقام الأب بحال، فإنه مما لا يعتمد، لأن إطلاق اسم الأب إن كان يتناول الجد والعم في اللغة والشرع فجائز اعتبار عمومه في سائر ما أطلق فيه، فإن خص العم بحكم دون الجد لا يمنع ذلك بقاء حكم العموم في الجد. ويختلفان أيضا في المعنى من قبل أن الأب إنما سمي بهذا الاسم لأن الابن منسوب إليه بالولاد، وهذا المعنى موجود في الجد، وإن كانا يختلفان من جهة أخرى أن بينه وبين الجد واسطة وهو الأب ولا واسطة بينه وبين الأب، والعم ليست له هذه المنزلة إذ لا نسبة بينه وبينه من طريق الولاد، ألا ترى أن الجد وإن بعد في المعنى بمعنى من قرب في إطلاق الاسم وفي الحكم جميعا إذا لم يكن من هو أقرب منه، فكان للجد هذا الضرب من الإختصاص، فجائز أن يتناوله إطلاق اسم الأب. ولما لم يكن للعم هذه المزية لم يسم به مطلقا، ولا يعقل منه أيضا إلا بتقيد. والجد مساو للأب في معنى الولاد فجائز أن يتناوله اسم الأب وأن يكون حكمه عند فقده حكمه. وأما من دفع ذلك من جهة أن تسمية الجد باسم الأب مجاز وأن الأب الأدنى مراد بالآية، فغير جائز إرادة الجد به لانتفاء أن يكون اسم واحد مجازا حقيقة، فغير واجب من قبل أنه جائز أن يقال إن المعنى الذي من أجله سمي الأب بهذا الاسم وهو النسبة إليه من طريق الولاد موجود في الجد، ولم يختلف المعنى الذي من أجله قد سمي كل واحد منهما. فجاز إطلاق الاسم عليهما وإن كان أحدهما أخص به من الآخر كالأخوة يتناول جميعهم هذا الاسم لأب كانوا أو لأب وأم، ويكون الذي للأب والأم أولى بالميراث وسائر أحكام الأخوة من الذين للأب والاسم فيهما جميعا حقيقة. وليس يمتنع أن يكون الاسم حقيقة في معنيين وإن كان الإطلاق إنما يتناول أحدهما دون الآخر، ألا ترى أن اسم النجم يقع على كل واحد من نجوم السماء حقيقة والإطلاق عند العرب يتناول النجم الذي هو الثريا؟ يقول القائل منهم: فعلت كذا وكذا والنجم على قمة الرأس، يعني الثريا. ولا تعقل العرب بقولها (طلع النجم) عند الإطلاق غير الثريا، وقد سموا هذا الاسم لسائر نجوم السماء على الحقيقة، فكذلك اسم الأب لا يمتنع عند المحتج بما وصفنا أن يتناول الأب والجد على الحقيقة وإن اختص الأب به في بعض الأحوال، ولا يكون في استعمال اسم الأب في الأب الأدنى والجد إيجاب كون لفظة واحدة حقيقة مجازا.
فإن قيل: لو أن اسم الأب مختصا بالنسبة من طريق الولاد للحق الأم هذا الاسم لوجود الولاد فيها، فكان الواجب أن تسمى الأم أبا، وكانت الأم أولى بذلك من الأب