والجد لوجود الولادة حقيقة منها! قيل له: لا يجب ذلك، لأنهم قد خصوا الأم باسم دونه ليفرقوا بينها وبينه وإن كان الولد منسوبا إلى كل واحد منهما بالولاد، وقد سمى الله تعالى الأم أبا حين جمعها مع الأب فقال تعالى: (ولأبويه لكل واحد منهما السدس) [النساء: 11] ومما يحتج لأبي بكر الصديق وللقائلين بقوله إن الجد يجتمع له الاستحقاق بالنسبة والتعصيب معا، ألا ترى أنه لو تركا بنتا وجدا كان للبنت النصف وللجد السدس وما بقي بالنسبة والتعصيب، كما لو ترك بنتا وأبا يستحق بالنسبة والتعصيب معا في حال واحدة؟
فوجب أن يكون بمنزلته في استحقاق الميراث دون الأخوة والأخوات. ووجه آخر: وهو أن الجد يستحق بالتعصيب من طريق الولاد، فوجب أن يكون بمنزلة الأب في نفي مشاركة الأخوة، إذ كانت الأخوة إنما تستحقه بالتعصيب منفردا عن الولاد. ووجه آخر في نفي الشركة بينه وبين الإخوة على وجه المقاسمة. وهو أن الجد يستحق السدس مع الابن كما يستحقه الأب معه، فلما لم يستحق الأخوة مع الأب بهذه العلة وجب أن لا يجب لهم ذلك مع الجد.
فإن قيل: الأم تستحق السدس مع الابن ولم ينتف بذلك توريث الأخوة معها! قيل له: إنما نصف بهذه العلة لنفي الشركة بينه وبين الأخوة على وجه المقاسمة، وإذا انتفت الشركة بينهم وبينه في المقاسمة إذا انفردوا معه سقط الميراث، لأن كل من ورثهم معه يوجب القسمة بينه وبينهم إذا لم يكن غيرهم على اعتبار منهم في الثلث أو السدس، وأما الأم فلا تقع بينها وبين الأخوة مقاسمة بحال، ونفي القسمة لا ينفي ميراثهم، ونفي مقاسمة الأخوة للجد إذا انفردوا يوجب اسقاط ميراثهم معه، إذ كان من يورثهم معه إنما يورثهم بالمقاسمة وإيجاب الشركة بينهم وبينه، فلما سقطت المقاسمة بما وصفنا سقط ميراثهم معه، إذ ليس فيه إلا قولان: قول من يسقط معه ميراثهم رأسا، وقل من يوجب المقاسمة، فلما بطلت المقاسمة بما وصفنا ثبت سقوط ميراثهم معه.
فإن قال قائل: إن الجد يدلي بابنه وهو أبو الميت، والأخ يدلي بأبيه، فوجبت الشركة بينهما كمن ترك أباه وابنه! قيل له هذا غلط من وجهين، أحدهما: أنه لو صح هذا الاعتبار لما وجبت المقاسمة بين الجد والأخ، بل كان الواجب أن يكون للجد السدس وللأخ ما بقي، كمن ترك أبا وابنا للأب السدس والباقي للابن. والوجه الآخر: أنه يوجب أن يكون الميت إذا ترك جد أب وعما أن يقاسمه العم، لأن جد لأب يدلي بالجد الأدنى والعم أيضا يدلى به، لأنه ابنه، فلما اتفق الجميع على سقوط ميراث العم مع جد الأب مع وجود العلة التي وصفت دل ذلك على انتقاضها وفسادها. ويلزمه أيضا على هذا