الميزاب فتلا قوله تعالى: (فلنولينك قبلة ترضاها) قال: (هذه القبلة). فمن الناس من يظن أنه عنى الميزاب، وليس كذلك، لأنه إنما أشار إلى الكعبة ولم يرد به تخصيص جهة الميزاب دون غيرها، وكيف يكون ذلك مع قوله تعالى: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) [البقرة: 125] قوله تعالى: (فول وجهك شطر المسجد الحرام) مع اتفاق المسلمين على أن سائر جهات الكعبة قبلة لموليها.
وقوله تعالى: (ولكل وجهة هو موليها) يدل على أن الذي كلف به من غاب عن حضرة الكعبة إنما هو التوجه إلى جهتها في غالب ظنه لا إصابة محاذاتها غير زائل عنها، إذ لا سبيل له إلى ذلك وإذ غير جائز أن يكون جميع من غاب عن حضرتها محاذيا لها.
وقوله تعالى: (فاستبقوا الخيرات) يعني - والله أعلم - المبادرة والمسارعة إلى الطاعات. وهذا يحتج به في أن تعجيل الطاعات أفضل من تأخيرها ما لم تقم الدلالة على فضيلة التأخير، نحو تعجيل الصلوات في أول أوقاتها وتعجيل الزكاة والحج وسائر الفروض بعد حضور وقتها ووجود سببها. ويحتج به بأن الأمر على الفور، وأن جواز التأخير يحتاج إلى دلالة، وذلك أن الأمر إذا كان غير مؤقت فلا محالة عند الجميع أن فعله على الفور من الخيرات فوجب بمضمون قوله تعالى: (فاستبقوا الخيرات) إيجاب تعجيله، لأنه أمر يقتضي الوجوب.
قوله تعالى (لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم)، من الناس من يحتج به في الاستثناء من غير جنسه. وقد اختلف أهل اللغة في معناه، فقال بعضهم:
هو استثناء منقطع ومعناه: لكن الذين ظلموا منهم يتعلقون بالشبهة ويضعون موضع الحجة، وهو كقوله تعالى: (ما لهم به من علم إلا اتباع الظن) [النساء: 157] معناه:
لكن اتباع الظن، قال النابغة:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * بهن فلول من قراع الكتائب معناه: لكن بسيوفهم فلول، وليس بعيب.
وقيل فيه: (إنه أراد بالحجة المحاجة والمجادلة، فقال: لئلا يكون للناس عليكم حجاج إلا الذين ظلموا فإنهم يحاجونكم بالباطل). وقال أبو عبيدة: (إلا) ههنا بمعنى الواو، وكأنه قال: لئلا يكون للناس عليكم حجة ولا الذين ظلموا. وأنكر ذلك الفراء وأكثر أهل اللغة، قال الفراء: لا تجئ (إلا) بمعنى الواو إلا إذا تقدم استثناء كقول الشاعر:
ما بالمدينة دار غير واحدة * دار الخليفة إلا دار مروان