نفسه في التوراة، ببغيهم على أنفسهم، وظلمهم لها. قل يا محمد: فأتوا أيها اليهود إن أنكرتم ذلك بالتوراة، فاتلوها إن كنتم صادقين أن الله لم يحرم ذلك عليكم في التوارة، وأنكم إنما تحرمونه لتحريم إسرائيل إياه على نفسه.
وقال آخرون: ما كان شئ من ذلك عليهم حراما، ولا حرمه الله عليهم في التوراة، وإنما هو شئ حرموه على أنفسهم اتباعا لأبيهم، ثم أضافوا تحريمه إلى الله. فكذبهم الله عز وجل في إضافتهم ذلك إليه، فقال الله عز وجل لنبيه محمد (ص): قل لهم يا محمد: إن كنتم صادقين، فأتوا بالتوراة فاتلوها، حتى ننظر هل ذلك فيها، أم لا؟ ليتبين كذبهم لمن يجهل أمرهم. ذكر من قال ذلك:
حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: * (إلا ما حرم إسرائيل على نفسه) * إسرائيل:
هو يعقوب، أخذه عرق النسا، فكان لا يثبت الليل من وجعه، وكان لا يؤذيه بالنهار.
فحلف لئن شفاه الله لا يأكل عرقا أبدا، وذلك قبل نزول التوراة على موسى. فسأل نبي الله (ص) اليهود ما هذا الذي حرم إسرائيل على نفسه؟ فقالوا: نزلت التوراة بتحريم الذي حرم إسرائيل فقال الله لمحمد (ص): * (قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين) *... إلى قوله: * (فأولئك هم الظالمون) * وكذبوا وافتروا، لم تنزل التوراة بذلك.
وتأويل الآية على هذا القول: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل من قبل أن تنزل التوراة وبعد نزولها، إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة، بمعنى: لكن إسرائيل حرم على نفسه من قبل أن تنزل التوراة بعض ذلك. وكأن الضحاك وجه قوله: * (إلا ما حرم إسرائيل على نفسه) * إلى الاستثناء الذي يسميه النحويون: الاستثناء المنقطع.
وقال آخرون تأويل ذلك: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل، إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة، فإن ذلك حرام على ولده بتحريم إسرائيل إياه على ولده، من غير أن يكون الله حرمه على إسرائيل ولا على ولده. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: * (كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه) * فإنه حرم على نفسه العروق، وذلك أنه كان يشتكي عرق النسا، فكان لا ينام الليل،