رفعه الله وطهره من أن يصيبه عقوبة أهل الأرض، فصار معمورا في السماء. ثم إن إبراهيم تتبع منه أثرا بعد ذلك، فبناه على أساس قديم كان قبله.
والصواب من القول في ذلك: ما قال جل ثناؤه فيه: إن أول بيت مبارك وهدى وضع للناس، للذي ببكة. ومعنى ذلك: إن أول بيت وضع للناس: أي لعبادة الله فيه مباركا وهدى، يعني: بذلك ومآبا لنسك الناسكين وطواف الطائفين، تعظيما لله وإجلالا له، للذي ببكة، لصحة الخبر بذلك عن رسول الله (ص) وذلك ما:
حدثنا به محمد بن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن سليمان، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر، قال: قلت يا رسول الله، أي مسجد وضع أول؟ قال: المسجد الحرام قال: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى قال: كم بينهما؟
قال: أربعون سنة.
فقد بين هذا الخبر عن رسول الله (ص)، أن المسجد الحرام هو أول مسجد وضعه الله في الأرض على ما قلنا، فأما في وضعه بيتا بغير معنى بيت للعبادة والهدى والبركة، ففيه من الاختلاف ما قد ذكرت بعضه في هذا الموضع وبعضه في سورة البقرة وغيرها من سور القرآن وبينت الصواب من القول عندنا في ذلك بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وأما قوله: * (للذي ببكة مباركا) * فإنه يعني: للبيت الذي بمزدحم الناس لطوافهم في حجهم وعمرهم وأصل البك: الزحم، يقال منه: بك فلان فلانا: إذا زحمه وصدمه، فهو يبكه بكا، وهم يتباكون فيه: يعني به: يتزاحمون ويتصادمون فيه، فكان بكة: فعلة من بك فلان فلانا: زحمه، سميت البقعة بفعل المزدحمين بها. فإذا كانت بكة ما وصفنا، وكان موضع ازدحام الناس حول البيت، وكان لا طواف يجوز خارج المسجد، كان معلوما بذلك أن يكون ما حول الكعبة من داخل المسجد، وأن ما كان خارج المسجد فمكة لا بكة، لأنه لا معنى خارجه يوجب على الناس التباك فيه. وإذا كان ذلك كذلك كان بينا بذلك فساد قول من قال بكة: اسم لبطن مكة، ومكة: اسم للحرم.
ذكر من قال في ذلك ما قلنا، من أن بكة في موضع مزدحم الناس للطواف:
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، عن حصين، عن أبي مالك