فإن قال قائل: كيف قيل: * (وقتلهم الأنبياء بغير حق) * وقد ذكرت الآثار التي رويت، أن الذين عنوا بقوله: * (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير) * بعض اليهود الذين كانوا على عهد نبينا محمد (ص)، ولم يكن من أولئك أحد قتل نبيا من الأنبياء، لأنهم لم يدركوا نبيا من أنبياء الله فيقتلوه؟ قيل: إن معنى ذلك على غير الوجه الذي ذهبت إليه، وإنما قيل ذلك كذلك لان الذين عنى الله تبارك وتعالى بهذه الآية كانوا راضين بما فعل أوائلهم من قتل من قتلوا من الأنبياء، وكانوا منهم، وعلى منهاجهم، من استحلال ذلك واستجازته.
فأضاف جل ثناؤه فعل ما فعله من كانوا على منهاجه وطريقته إلى جميعهم، إذ كانوا أهل ملة واحدة، ونحلة واحدة، وبالرضا من جميعهم فعل ما فعل فاعل ذلك منهم على ما بينا من نظائره فيما مضى قبل.
القول في تأويل قوله: * (ونقول ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد) *.
يعني بذلك جل ثناؤه: ونقول للقائلين بأن الله فقير ونحن أغنياء، القاتلين أنبياء الله بغير حق يوم القيامة: ذوقوا عذاب الحريق، يعني بذلك: عذاب نار محرقة ملتهبة، والنار اسم جامع للملتهبة منها وغير الملتهبة، وإنما الحريق صفة لها، يراد أنها محرقة، كما قيل:
عذاب أليم يعني: مؤلم، ووجيع يعني: موجع.
وأما قوله: * (ذلك بما قدمت أيديكم) *: أي قولنا لهم يوم القيامة: ذوقوا عذاب الحريق بما أسلفت أيديكم، واكتسبتها أيام حياتكم في الدنيا، وبأن الله عدل لا يجور، فيعاقب عبدا له بغير استحقاق منه العقوبة، ولكنه يجازي كل نفس بما كسبت، ويوفي كل عامل جزاء ما عمل، فجازى الذين قال لهم يوم القيامة من اليهود الذين وصف صفتهم، فأخبر عنهم أنهم قالوا: إن الله فقير ونحن أغنياء، وقتلوا الأنبياء بغير حق، بما جازاهم به من عذاب الحريق، بما اكتسبوا من الآثام، واجترحوا من السيئات، وكذبوا على الله بعد الاعذار إليهم بالانذار، فلم يكن تعالى ذكره بما عاقبهم به من إذاقتهم عذاب الحريق ظالما ولا واضعا عقوبته في غير أهلها، وكذلك هو جل ثناؤه غير ظلام أحدا من خلقه، ولكنه العادل بينهم، والمتفضل على جميعهم بما أحب من فواضله ونعمه. القول في تأويل قوله تعالى:
* (الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان