وقال آخرون: بل قالوا هذا القول على وجه المسألة، والرغبة منهم إلى الله أن يؤتيهم ما وعدهم من النصر على أعدائهم من أهل الكفر، والظفر بهم، وإعلاء كلمة الحق على الباطل، فيعجل ذلك لهم، قالوا: ومحال أن يكون القوم مع وصف الله إياهم بما وصفهم به كانوا على غير يقين من أن الله لا يخلف الميعاد، فيرغبوا إلى الله جل ثناؤه في ذلك، ولكنهم كانوا وعدوا النصر، ولم يوقت لهم في تعجيل ذلك لهم، لما في تعجله من سرور الظفر وراحة الجسد.
والذي هو أولى الأقوال بالصواب في ذلك عندي: أن هذه الصفة، صفة من هاجر من أصحاب رسول الله (ص) من وطنه وداره، مفارقا لأهل الشرك بالله إلى الله ورسوله، وغيرهم من تباع رسول الله (ص) الذين رغبوا إلى الله في تعجيل نصرتهم على أعداء الله وأعدائهم، فقالوا: ربنا آتنا ما وعدتنا من نصرتك عليهم عاجلا، فإنك لا تخلف الميعاد، ولكن لا صبر لنا على أناتك وحلمك عنهم، فعجل حربهم، ولنا الظفر عليهم. يدل على صحة ذلك آخر الآية الأخرى، وهو قوله: * (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا) *... الآيات بعدها. وليس ذلك مما ذهب إليه الذين حكيت قولهم في شئ، وذلك أنه غير موجود في كلام العرب أن يقال: افعل بنا يا رب كذا وكذا، بمعنى: افعل بنا لكذا الذي ولو جاز ذلك، لجاز أن يقول القائل لآخر: أقبل إلي وكلمني، بمعنى: أقبل إلي لتكلمني، وذلك غير موجود في الكلام، ولا معروف جوازه، وكذلك أيضا غير معروف في الكلام: آتنا ما وعدتنا، بمعنى: اجعلنا ممن آتيته ذلك وإن كان كل من أعطى شيئا سنيا فقد صير نظيرا لمن كان مثله في المعنى الذي أعطيه، ولكن ليس الظاهر من معنى الكلام ذلك، وإن كان قد يؤول معناه إليه.
فتأويل الكلام إذا: ربنا أعطنا ما وعدتنا على ألسن رسلك أنك تعلى كلمتك كلمة الحق، بتأييدنا على من كفر بك وحادك وعبد غيرك، وعجل لنا ذلك، فإنا قد علمنا أنك لا تخلف ميعادك، ولا تخزنا يوم القيامة، فتفضحنا بذنوبنا التي سلكت منا، ولكن كفرها عنا واغفرها لنا. وقد:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج