ودنياهم، فيتشاوروا بينهم، ثم يصدروا عما اجتمع عليه ملؤهم، لان المؤمنين إذا تشاوروا في أمور دينهم متبعين الحق في ذلك، لم يخلهم الله عز وجل من لطفه، وتوفيقه للصواب من الرأي والقول فيه. قالوا: وذلك نظير قوله عز وجل الذي مدح به أهل الايمان:
* (وأمرهم شورى بينهم) *. ذكر من قال ذلك:
حدثنا سوار بن عبد الله العنبري، قال: قال سفيان بن عيينة في قوله:
* (وشاورهم في الامر) * قال: هي للمؤمنين أن يتشاوروا فيما لم يأتهم عن النبي (ص) فيه أثر.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يقال: إن الله عز وجل أمر نبيه (ص) وسلم بمشاورة أصحابه، فيما حزبه من أمر عدوه ومكايد حربه، تألفا منه بذلك من لم تكن بصيرته بالاسلام البصيرة التي يؤمن عليه معها فتنة الشيطان، وتعريفا منه أمته ما في الأمور التي تحزبهم من بعده ومطلبها، ليقتدوا به في ذلك عند النوازل التي تنزل بهم، فيتشاوروا فيما بينهم، كما كانوا يرونه في حياته (ص) يفعله. فأما النبي (ص)، فإن الله كان يعرفه مطالب وجوه ما حزبه من الأمور بوحيه أو إلهامه إياه صواب ذلك. وأما أمته، فإنهم إذا تشاوروا مستنين بفعله في ذلك على تصادق وتأخ للحق وإرادة جميعهم للصواب، من غير ميل إلى هوى، ولا حيد عن هدى، فالله مسددهم وموفقهم.
وأما قوله: * (فإذا عزمت فتوكل على الله) * فإنه يعني: فإذا صح عزمك بتثبيتنا إياك وتسديدنا لك فيما نابك وحزبك من أمر دينك ودنياك، فامض لما أمرناك به على ما أمرناك به، وافق ذلك آراء أصحابك وما أشاروا به عليك أو خالفها وتوكل فيما تأتي من أمورك وتدع وتحاول أو تزاول على ربك، فثق به في كل ذلك، وارض بقضائه في جميعه دون آراء سائر خلقه ومعونتهم، فإن الله يحب المتوكلين، وهم الراضون بقضائه، والمستسلمون لحكمه فيهم، وافق ذلك منهم هوى أو خالفه. كما:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: * (فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) * فإذا عزمت: أي على أمر جاءك مني، أو أمر من دينك في جهاد عدوك، لا يصلحك ولا يصلحهم إلا ذلك، فامض على ما أمرت به، على خلاف من خالفك، وموافقة من وافقك، وتوكل على الله: أي ارض به من العباد، إن الله يحب المتوكلين.