وينشد أيضا:
وقولهم إلا ده فلا ده وإنما قيل: * (لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى) * بإصحاب ماضي الفعل الحرف الذي لا يصحب مع الماضي منه إلا المستقبل، فقيل: وقالوا لإخوانهم ثم قيل: إذا ضربوا. وإنما يقال في الكلام: أكرمتك إذ زرتني، ولا يقال: أكرمتك إذا زرتني، لان القول الذي في قوله: * (وقالوا لإخوانهم) * وإن كان في لفظ الماضي فإنه بمعنى المستقبل، وذلك أن العرب تذهب بالذين مذهب الجزاء، وتعاملها في ذلك معاملة من وما، لتقارب معاني ذلك في كثير من الأشياء، وإن جمعهن أشياء مجهولات غير مؤقتات توقيت عمرو وزيد. فلما كان ذلك كذلك، وكان صحيحا في الكلام فصيحا أن يقال للرجال: أكرم من أكرمك، وأكرم كل رجل أكرمك، فيكون الكلام خارجا بلفظ الماضي مع من وكل مجهول، ومعناه الاستقبال، إذ كان الموصوف بالفعل غير موقت، وكان الذين في قوله: * (لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض) * غير موقتين، أجريت مجرى من وما في ترجمتها التي تذهب مذهب الجزاء وإخراج صلاتها بألفاظ الماضي من الأفعال وهي بمعنى الاستقبال، كما قال الشاعر في ما:
وإني لآتيكم تشكر ما مضى * من الامر واستيجاب ما كان في غد فقال: ما كان في غد، وهو يريد: ما يكون في غد، ولو كان أراد الماضي لقال: ما كان في أمس، ولم يجز له أن يقول: ما كان في غد. ولو كان الذي موقتا، لم يجز أن يقال:
ذلك خطأ أن يقال لك: من هذا الذي أكرمك إذا زرته؟ لان الذي ههنا موقت، فقد خرج من معنى الجزاء، ولو لم يكن في الكلام هذا، لكان جائزا فصيحا، لان الذي يصير حينئذ