ذلك، لان معنى قول القائل: أثابك الله غما على غم: جزاك الله غما بعد غم تقدمه، فكان كذلك معنى: فأثابكم غما بغم، لان معناه: فجزاكم الله غما بعقب غم تقدمه، وهو نظير قول القائل: نزلت ببني فلان، ونزلت على بني فلان، وضربته بالسيف، وعلى السيف.
واختلف أهل التأويل في الغم الذي أثيب القوم على الغم، وما كان غمهم الأول والثاني، فقال بعضهم: أما الغم الأول، فكان ما تحدث به القوم أن نبيهم (ص) قد قتل. وأما الغم الآخر، فإنه كان ما نالهم من القتل والجراح. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: * (فأثابكم غما بغم) * كانوا تحدثوا يومئذ أن نبي الله (ص) أصيب، وكان الغم الآخر قتل أصحابهم والجراحات التي أصابتهم، قال: وذكر لنا أنه قتل يومئذ سبعون رجلا من أصحاب رسول الله (ص) ستة وستون رجلا من الأنصار، وأربعة من المهاجرين. وقوله: * (لكيلا تحزنوا على ما فاتكم) * يقول: ما فاتكم من غنيمة القوم، ولا ما أصابكم في أنفسكم من القتل والجراحات.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: * (فأثابكم غما بغم) * قال: فرة بعد فرة، الأولى: حين سمعوا الصوت أن محمدا قد قتل، والثانية: حين رجع الكفار فضربوهم مدبرين، حتى قتلوا منهم سبعين رجلا، ثم انحازوا إلى النبي (ص)، فجعلوا يصعدون في الجبل، والرسول يدعوهم في أخراهم.
. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه.
وقال آخرون: بل غمهم الأول كان قتل من قتل منهم، وجرح من جرح منهم، والغم الثاني: كان من سماعهم صوت القائل: قتل محمد (ص). ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسين بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: * (غما بغم) * قال: الغم الأول: الجراح والقتل، والغم الثاني: حين سمعوا أن نبي الله (ص) قد قتل. فأنساهم الغم الآخر ما أصابهم من الجراح والقتل وما كانوا يرجون من الغنيمة، وذلك حين يقول: * (لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم) *.
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن