فإنما أصابكم الذي أصابكم من أجل أنكم عصيتموني. فبينما هم كذلك، إذ أتاهم القوم، قد أنسوا، وقد اخترطوا سيوفهم، فكان غم الهزيمة وغمهم حين أتوهم، * (لكيلا تحزنوا على ما فاتكم) * من القتل * (ولا ما أصابكم) * من الجراحة * (فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا) *... الآية، وهو يوم أحد.
وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال: معنى قوله: * (فأثابكم غما بغم) * أيها المؤمنون بحرمان الله إياكم غنيمة المشركين، والظفر بهم، والنصر عليهم، وما أصابكم من القتل والجراح يومئذ بعد الذي كان قد أراكم في كل ذلك ما تحبون بمعصيتكم ربكم، وخلافكم أمر نبيكم (ص)، غم ظنكم أن نبيكم (ص) قد قتل، وميل العدو عليكم بعد فلولكم منهم.
والذي يدل على أن ذلك أولى بتأويل الآية مما خالفه، قوله: * (لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم) * والفائت لا شك أنه هو ما كانوا رجوا الوصول إليه من غيرهم، إما من ظهور عليهم بغلبهم، وإما من غنيمة يحتازونها، وأن قوله: * (ولا ما أصابكم) * هو ما أصابهم إما في أبدانهم، وإما في إخوانهم. فإن كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الغم الثاني هو معنى غير هذين، لان الله عز وجل أخبر عباده المؤمنين به من أصحاب رسول الله (ص)، أنه أثابهم غما بغم، لئلا يحزنهم ما نالهم من الغم الناشئ عما فاتهم من غيرهم، ولا ما أصابهم قبل ذلك في أنفسهم، وهو الغم الأول على ما قد بيناه قبل.
وأما قوله: لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم) * فإن تأويله على ما قد بينت من أنه لكيلا تحزنوا على ما فاتكم فلم تدركوه مما كنتم ترجون إدراكه من عدوكم بالظفر عليهم والظهور وحيازة غنائمهم، ولا ما أصابكم في أنفسكم من جرح من جرح وقتل من قتل من إخوانكم.
وقد ذكرنا اختلاف أهل التأويل فيه قبل على السبيل التي اختلفوا فيه، كما:
حدثنا يونس، قال: أخبرنا وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم) * قال: على ما فاتكم من الغنيمة التي كنتم ترجون، * (ولا ما أصابكم) * من الهزيمة.
وأما قوله: * (والله خبير بما تعلمون) * فإنه يعني جل ثناؤه: والله بالذي تعلمون - أيها المؤمنون من إصعادكم في الوادي هربا من عدوكم، وانهزامكم منهم، وترككم نبيكم وهو