وأما المناسك فإنها جمع منسك، وهو الموضع الذي ينسك لله فيه، ويتقرب إليه فيه بما يرضيه من عمل صالح إما بذبح ذبيحة له، وإما بصلاة أو طواف أو سعي، وغير ذلك من الأعمال الصالحة ولذلك قيل لمشاعر الحج مناسكه، لأنها أمارات وعلامات يعتادها الناس، ويترددون إليها. وأصل المنسك في كلام العرب: الموضع المعتاد الذي يعتاده الرجل ويألفه، يقال: لفلان منسك، وذلك إذا كان له موضع يعتاده لخير أو شر ولذلك سميت المناسك مناسك، لأنها تعتاد ويتردد إليها بالحج والعمرة، وبالأعمال التي يتقرب بها إلى الله. وقد قيل: إن معنى النسك: عبادة الله، وأن الناسك إنما سمي ناسكا بعبادة ربه، فتأول قائل هذه المقالة قوله: وأرنا مناسكنا وعلمنا عبادتك كيف نعبدك، وأين نعبدك، وما يرضيك عنا فنفعله. وهذا القول وإن كان مذهبا يحتمله الكلام، فإن الغالب على معنى المناسك ما وصفنا قبل من أنها مناسك الحج التي ذكرنا معناها. وخرج هذا الكلام من قول إبراهيم وإسماعيل على وجه المسألة منهما ربهما لأنفسهما، وإنما ذلك منهما مسألة ربهما لأنفسهما وذريتهما المسلمين، فلما ضما ذريتهما المسلمين إلى أنفسهما صارا كالمخبرين عن أنفسهم بذلك. وإنما قلنا إن ذلك كذلك لتقدم الدعاء منهما للمسلمين من ذريتهما قبل في أول الآية، وتأخره بعد في الآية الأخرى.
فأما الذي في أول الآية فقولهما: ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك. ثم جمعا أنفسهما والأمة المسلمة من ذريتهما في مسألتهما ربهما أن يريهم مناسكهم فقالا: وأرنا مناسكنا.
وأما التي في الآية التي بعدها: ربنا وابعث فيهم رسولا منهم فجعلا المسألة لذريتهما خاصة. وقد ذكر أنها في قراءة ابن مسعود: وأرهم مناسكهم، يعني بذلك: وأر ذريتنا المسلمة مناسكهم.
القول في تأويل قوله تعالى: وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
أما التوبة فأصلها الأوبة من مكروه إلى محبوب، فتوبة العبد إلى ربه: أوبته مما يكرهه الله منه بالندم عليه والاقلاع عنه، والعزم على ترك العود فيه. وتوبة الرب على عبده: عوده عليه بالعفو له عن جرمه والصفح له عن عقوبة ذنبه، مغفرة له منه، وتفضلا عليه.