1532 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قال مجاهد: لما نزلت: ادعوني أستجب لكم قالوا: إلى أين؟ فنزلت:
فأينما تولوا فثم وجه الله.
فإذ كان قوله عز وجل: فأينما تولوا فثم وجه الله محتملا ما ذكرنا من الأوجه، لم يكن لاحد أن يزعم أنها ناسخة أو منسوخة إلا بحجة يجب التسليم لها لان الناسخ لا يكون إلا بمنسوخ، ولم تقم حجة يجب التسليم لها بأن قوله: فأينما تولوا فثم وجه الله معني به: فأينما توجهوا وجوهكم في صلاتكم فثم قبلتكم. ولا أنها نزلت بعد صلاة رسول الله (ص) وأصحابه نحو بيت المقدس أمرا من الله عز وجل لهم بها أن يتوجهوا نحو الكعبة، فيجوز أن يقال: هي ناسخة الصلاة نحو بيت المقدس إذ كان من أهل العلم من أصحاب رسول الله (ص) وأئمة التابعين، من ينكر أن تكون نزلت في ذلك المعنى. ولا خبر عن رسول الله (ص) ثابت بأنها نزلت فيه، وكان الاختلاف في أمرها موجودا على ما وصفت.
ولا هي إذ لم تكن ناسخة لما وصفنا قامت حجتها بأنها منسوخة، إذ كانت محتملة ما وصفنا بأن تكون جاءت بعموم، أو معناها: في حال دون حال إن كان عني بها التوجه في الصلاة، وفي كل حال إن كان عني بها الدعاء، وغير ذلك من المعاني التي ذكرنا.
وقد دللنا في كتابنا: كتاب البيان عن أصول الاحكام، على أن لا ناسخ من آي القرآن وأخبار رسول الله (ص) إلا ما نفي حكما ثابتا، وألزم العباد فرضه غير محتمل بظاهره وباطنة غير ذلك. فأما إذا ما احتمل غير ذلك من أن يكون بمعنى الاستثناء أو الخصوص والعموم، أو المجمل، أو المفسر، فمن الناسخ والمنسوخ بمعزل، بما أغنى عن تكريره في هذا الموضع. ولا منسوخ إلا المنفي الذي كان قد ثبت حكمه وفرضه، ولم يصح واحد من هذين المعنيين لقوله: فأينما تولوا فثم وجه الله بحجة يجب التسليم لها، فيقال فيه: هو ناسخ أو منسوخ.
وأما قوله: فأينما فإن معناه: حيثما.
وأما قوله: تولوا فإن الذي هو أولى بتأويله أن يكون تولون نحوه وإليه، كما يقول القائل: وليت وجهي (نحوه) ووليته إليه، بمعنى: قابلته وواجهته. وإنما قلنا ذلك