قال أبو جعفر: ولكلا القولين، أعني قول ابن عباس وقول قتادة اللذين حكيناهما، وجه صحيح في كلام العرب.
غير أن أولى قوليهما بتأويل قول الله تعالى: (إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه) (1) قول ابن عباس، لان الله جل ثناؤه أمر نبيه في غير آية من تنزيله باتباع ما أوحى إليه، ولم يرخص له في ترك ابتاع شئ من أمره إلى وقت تأليفه القرآن. فكذلك قوله:
في تنزيله. ولو وجب أن يكون معنى قوله: (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه) (2): فإذا ألفناه فاتبع ما ألفنا لك فيه، لوجب أن لا يكون كان لزمه فرض: (اقرأ باسم ربك الذي خلق) (3) ولا فرض: (يا أيها المدثر قم فأنذر) (4) قبل أن يؤلف إلى ذلك غيره من القرآن. وذلك إن قاله قائل خروج من قول أهل الملة. وإذا صح أن حكم كل آية من آي القرآن كان لازما النبي (صلى الله عليه وسلم) اتباعه والعمل به، مؤلفة كانت إلى غيرها أو غير مؤلفة، صح ما قال ابن عباس في تأويل قوله: (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه) (2) أنه يعني به: فإذا بيناه لك بقراءتنا، فاتبع ما بيناه لك بقراءتنا. دون قول من قال معناه: فإذا ألفناه فاتبع ما ألفناه.
وقد قيل: إن قول الشاعر:
ضحوا بأشمط عنوان السجود به * يقطع الليل تسبيحا وقرآن ا (5) يعني به قائله: تسبيحا وقراءة.
فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يسمى قرآنا بمعنى القراءة وإنما هو مقروء؟ قيل كما جاز أن يسمى المكتوب كتابا، بمعنى كتاب الكاتب، كما قال الشاعر في صفته كتاب طلاق كتبه لامرأته:
تؤمل رجعة مني وفيها * كتاب مثل ما لصق الغراء