لقد كان سليمان ساحرا، هذا سحره، بهذا تعبدنا، وبهذا قهرنا. فقال المؤمنون: بل كان نبيا مؤمنا. فلما بعث الله النبي محمدا (ص) جعل يذكر الأنبياء حتى ذكر داود وسليمان، فقالت اليهود: انظروا إلى محمد يخلط الحق بالباطل، يذكر سليمان مع الأنبياء، وإنما كان ساحرا يركب الريح. فأنزل الله عذر سليمان: واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان الآية.
1386 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسحاق: وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وذلك أن رسول الله (ص) فيما بلغني لما ذكر سليمان بن داود في المرسلين، قال بعض أحبار اليهود: ألا تعجبون من محمد يزعم أن ابن داود كان نبيا، والله ما كان إلا ساحرا فأنزل الله في ذلك من قولهم: وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا أي باتباعهم السحر وعملهم به وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت.
قال أبو جعفر: فإذا كان الامر في ذلك على ما وصفنا وتأويل قوله: واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا ما ذكرنا فتبين أن في الكلام متروكا ترك ذكره اكتفاء بما ذكر منه، وأن معنى الكلام: واتبعوا ما تتلوا الشياطين من السحر على ملك سليمان فتضيفه إلى سليمان، وما كفر سليمان فيعمل بالسحر ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر.
وقد كان قتادة يتأول قوله: وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا على ما قلنا.
1387 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يقول: ما كان عن مشورته، ولا عن رضا منه ولكنه شئ افتعلته الشياطين دونه.
وقد دللنا فيما مضى على اختلاف المختلفين في معنى تتلو، وتوجيه من وجه ذلك إلى أن تتلوا بمعنى تلت، إذ كان الذي قبله خبرا ماضيا وهو قوله: واتبعوا وتوجيه الذين وجهوا ذلك إلى خلاف ذلك. وبينا فيه وفي نظيره الصواب من القول، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع. وأما معنى قوله: ما تتلوا فإنه بمعنى الذي تتلو وهو السحر.